يقترب موعد الأنتخابات العراقية القادمة في نهاية هذا الشهر والعراقيون والعالم معا بأنتظار نتائجها ومفاجئاتها في ظل الحكومة الحالية وفي ظل أجواء اللا أستقرار والفوضى والتفجيرات. والواقع المرئي في "عراق تحت الأحتلال" والذي أستباحت ومازالت تستبيح كرامة أبنائه اليومية وتهدم بنيان مدننا مئات الألوف من القوات الأجنبية يشير - و للأسف- الى الطبيعة الموكلة للحكومة العراقية المؤقتة: وهي تغطية الاِحتلال، وتبرير اِنتهاكاتها لسيادة العراق ولاِستقلاله ولموارده ولحقوق أبنائه وترتيب الساحة السياسية فيه وفق منظور الأرادة والأدارة الأمريكيتين. فنرى (قادته) الأمريكيون -الأوصـياء على العراق- يتكلمون ويتصرفهم في كل الأمور الأساسية الخاصة بسـياسـته الوطنية ويبرمون العقود مع الشركات و يقدمون على تفكيك و حـل هذه المؤسـسـة و تركيب تلك ويصدرون القرارات لصالحهم ويمثّلون العراق في المؤتمرات الدولية أو في الاِجتماعات العالمية بأوامر أمريكية صرفة. فالواقع الحقيقي للسـلطة الأمريكية الحاكمة هو سلطة الاِنتداب الأجنبي والوصاية الاحتلالية الكاملة على قرارات العراق السياسية من خلال الحكومة المؤقتة ليس الاّ وبعكسه فالفيتو الأمريكي بالمرصاد! والأنتخابات العراقية القادمة هي حلقة أخرى ضمن السياسة الأمريكية لـ "عراق ما بعد صدام"، الهدف منها أقامة حكومة من شخصيات (عراقية) مختارة حسب المقاييس الأمريكية لأدارة شؤونه وفق النهج الأمريكي... حكومة هزيلة لا تقوى سوى على تنفيذ الأوامر كموظفين على هدى الرؤية السياسية الأمريكية. فالأدارة الأمريكية الآن على دراية كاملة و معرفة حقيـقية بمن سيكون قريبا في رأس السلطة ومن سيكون في عداد (يحكى أنّ) من الشخصيات أو الأحزاب العراقية. وهذا الأستنتاج لم يأت أعتباطا بل من خلال التجارب مع الحكومات السابقة والحالية التي نعيشها جميعا في عالمتا الحالي وخصوصا في البلدان العربية. فالحكّام الحاليون في بلداننا العربية والأسلامية على السواء هم مزكـّون من البيت الأبيض وضمن المواصفات الأمريكية ومخابراتها و مختارون برضاها وباقون في قمة السلطة على الدوام والويل لو تجرأ أحدهم وتجاوز الخط الأحمر فسيكون مصيره الهلاك أما بانقلاب مدبـّرأو بغزو عسكري أو الوفاة بالقضاء والقدر أو بالتسمم الغذاءي.... والبدائل الأمريكية متوفرة دائما في المعارضات والمنافي. أما بالنسبة للعراق الحالي فأن المسألة سوف لن تعدو أقامة حكومة عراقية (جديدة) أخرى هي في الواقع تثبيت الحكومة الحالية مع أجراء تعديلات بسيطة جدا في مظهرها وذلك لأعطاء بعض المصداقية للأنتخابات القادمة في نهاية هذا الشهر. فالمعروف عن الأدارة الأمريكية أنها لا تحبّذ المفاجئات ولا تفضّل التغييرات السريعة أو المستمرة في السلطة أو في الحكّام بل تفضـّل التعامل مع من تختارهم أطول فترة ممكنة لطالما تلائم سياسة هؤلاء مع الرؤية الأمريكية وأستراتيجيتها. والفترة الماضية منذ سقوط بغداد في نيسان ٢٠٠٣ والى يومنا هذا كانت كافية للأدارة الأمريكية في الأنتهاء من تكوين ثم أنضاج الرأي والبت في الشخصيات العراقية المؤهلة لأستلام المسؤوليات.
أن الأحداث الدامية وخصوصا في المناطق السـّنية تلقي ظلالها على أمكانية التأثير على تأجيل الأنتخابات من خلال عدم المشاركة فيها لعدم أعترافهم بها أساسا والقيادات الكردية تحاول من جانبها تأجيل الأنتخابات المحلية في محافظة كركوك التركمانية الى سته أشهر أخرى لغرض أستكمال زيادة عدد نفوس الأكراد فيها وفي المناطق الغير الكردية المجاورة لها من خلال أستيرادها لمئات الآلاف من أكراد سوريا وأيران بعد تورط السفير العراقي الحالي في سوريا –بأمر من قادة الحزبين الكرديين الرئسيين (الطالباني والبرزاني) في فضيحة بيع ألاف من جوازات السفر العراقية مقابل ٣٠٠٠ ليرة سوريا لكل نسخة!!. والأخبار القادمة من ستوكهولم تؤكد بأن السفير العراقي الشاب (وهو من الأخوة الأكراد) متورط هو الأخر في قضية مشابهة ألا وهي بيع ألاف من جوازات السفر العراقية لغيرالعراقيين تمهيدا للأدلاء بأصواتهم في السويد لصالح الأحزاب الكردية. والأدارة الأمريكية عازمة على المضي في تنفيذ كامل حلقات الأحتلال وأجراء الأنتخابات في موعدها المقرر في ٣٠ يناير هذا العام. ومن أجل ذلك أرسلت تعزيزات عسكرية أضافية كبيرة قوامها ١٥٠ ألف عسكري لضمان أجراءها وبأي ثمن!! من ناحية أخرى يصـّر السيد غازي الياور نفسه على أجراء الأنتخابات في موعدها المقرر بدون تأخير مؤكدا بأن الأنتخابات من شأنها أن تقهر المقاومة الوطنية وتحسم حالة العنف المستمرة في البلد حيث قال:"نحن قلقون حول أجراء الأنتخابات في وقتها المحدد ولسنا مرتاحين من وضع الحكومة المؤقتة الحالية التي تعتبر غير شرعية في نظر العراقيين وأملنا أن تضفي الأنتخابات الشرعية المطلوبة عليها!". فالهدف من الأنتخابات كما يبدو من تصريح السيد الياور هو أذن أضفاء الشرعية على حكومته وليس أنتخاب المرشحين!!
وفي حقيقة الأمر أن الأعلام الأمريكي يـرّكز في الوقت الحاضر - من خلال الصحف الغربية وتلك التي تصدر في أمريكا على السيد "غازي عجيل الياور" (٤٦ عاما) والذي قفز للسلطة كرئيس مؤقت للعراق في ٢٨ حزيران ٢٠٠٤ في غضون نصف ساعة الأخيرة فقط من الأنسحاب المفاجىء للدكتورعدنان الباججي منها!. ويعمل الأعلام الأمريكي في تصعيد نجمه الى درجة كبيرة ويصفه بأنه "مفتاح التحالف مع أمريكا"، ويصفه السياسيون الأمريكان بأنه "شخص طـيـّع ومعتـنـق جديد للنهج الأمريكي والذي يستطيع البقاء خلف الكواليس بينما تدار سياسة العراق من قبل غيره!!" (مجلة تايم – ١٣ ديسمبر ٢٠٠٤).
فالسيد غازي الياور غادر العراق قبل عشرين عاما لدراسة هندسة الأتصالات في جامعة جورج تاون الأمريكية ثم عمل بعد تخرجه في المملكة العربية السعودية كمدير تنفيذي لشركة أتصالت... ورغم كونه عراقيا الاّ أنه وجه غير معروف وغريب على العراقيين كغرابة وجه "حامد كرزاي" عن الأفغانيين. ففي أستفتاء بسيط أجري أوائل سنة ٢٠٠٤ من قبل أحد مساعدي "بول بريمر" على أختيار ١٧ شخصية من الوجوه العراقية على أساس شعبيته في العراق جاء السيد الياور في أخر القائمة. لكنه أستقبل بحفاوة كبيرة جدا كأستقبال رؤساء الدول الكبيرة من قبل "جورج بوش" عندما زار البيت الأبيض الأمريكي في نهاية ٢٠٠٤.... وتعجب المتعجبون عندما وقف وصفـّق له أعضاء مجلس الشيوخ طويلا على غير عادتهم عند أستقبال رؤساء الدول العربية وملوكها!! وهذا دليل واضح وكاف على وقوع الأختيار الأمريكي له كرئيس جديد للعراق حيث تتوفر فيه – أضافة الى ما ذكر أعلاه- مواصفات أخرى لا يمكن تجاوزها: فهو سـنّي المذهب، غير متدّين و علماني، وهذه الصفات هي ما تريدها الأدارة الأمريكية في الرجل الأول للعراق! أضافة الى أنتمائه عشائر الشمـّرالكبيرة والواسعة الأنتشار في العراق والتي تضم كلا من السنة والشيعة معا... والسيد غازي الياور أعـّد العّدة لخوض الأنتخابات هو وتكتله. ويعتقد الكثير من السياسيين الأمريكان بأن الأمل كبير جدا بل وشبه مؤكد من فوز كتلته وصعوده كرئيس للدولة العراقية! وذلك من خلال الأيحاء بأن الياور وجه مقبول من قبل أكثرية العراقيين وأنه ينال أعجاب الجميع (حسب قول الأعلام الأمريكي عن لسان العراقيين وأحزابهم).
فهكذا الحال بالنسبة لمن تريدهم أمريكا في قمّة السلطة فهي تمـهّد لصعوده كرئيس للعراق قبل الأنتخابات العراقية بأشهر!! وكأمثلة لدعم هذا الكلام أقصاء الأمير حسن ولي العهد الأردني السابق وشقيق المرحوم الملك حسين من عرش الأردن وتتويج أبن الملك الأمير عبدالله الثاني (رجل بريطانيا) ملكا على المملكة الأردنية الهاشمية خلفا لوالده، والأنسحاب الغريب والمفاجىء لخمسة مرشحين مرة واحدة من الأنتخابات الجزائرية الأخيرة وفوز عبد العزيز بو تفليقة (المرشح السادس) وهو (رجل فرنسا) في رئاسة الجزائر وبالتزكية. و(فوز) السيد "حامد كرزاي" رجل الأعمال الأفغاني (صاحب مطاعم همبركرالشهيرة) في الولايات المتحدة الأمريكية في مسرحية الأنتخابات الأفغانية والذي جيئ به خصيصا من الولايات المتحدة وكـلّف برئاسة الحكومة الأفغانية بشكل مؤقت بعد دحر قوات الطالبان... ثم ثـبّت فيما بعد في الرئاسة. هذا و(سيفوز) السيد محمود عباس حتما في الأنتخابات الفلسطينية القادمة لا بسبب رغبة الشعب الفلسطيني للتصويت له بل لأن أسرائيل (تفضله) على المرشحين السبعة الأخرين. هذا هو حالنا في البلدان العربية والأسلامية وشعوبنا مازالت تصـّدق مسرحيات الأنتخابات العربية.
ففي حقيقة الأمر أن السيد الياور (وهو أب لأربعة أطفال) لا يعتبر من الشخصيات السياسية العراقية ولم يعمل في السياسة من قبل وليست له خبرة بها.. وشهادته الحاصل عليها من أمريكا هي في هندسة الأتصالات ولا علاقة لها بأمورالدولة ولا بالقانون ولا بالسياسة.. ومهما كان السر في أمر ترشيحه للرئاسة...أن كان ذلك من قبل المملكة العربية السعودية أم من جهة أخرى لكنه نجح في جلب أنظار الأمريكان عليه في الأشهر القليلة الماضية فأضاف الى حظه الكبير و رصيده (الوطني) بزواجه الثاني من السيدة "نسرين برواري" (وزيرة العمل في الحكومة العراقية المؤقتة) معـّززا وضعه وموقفه أمام القوى الكردية لنيل دعم أضافي منهم. وهذا الزواج يمكن أعتباره (زواجا سياسيا) من شأنه تعزيز العلاقات بين العرب والأكراد فقط رغم عدم أعترافه الشخصي بهذه الحقيقة وأدعاءه " بان السياسة لا علاقة لها بالرومانسية (الحب)"!. وصعوده كرئيس للدولة يعني بطبيعة الحال أستمرار السيدة نسرين برواري في الوزارة من دون أدنى شك... ويعني كذلك حصول القوى الكردية على وزارات عديدة في الحكومة القادمة بفعل المحسوبية والمنسوبية والمجاملات وغيرها حيث سيتحول العراق الى عائلة واحدة أي (كردوعربية)... مما ينذر بحتمية أختفاء العدل وغياب الأنصاف في توزيع المسئوليات على القوى الوطنية وشرائح المجتمع الآخرين وتهميش القوى الوطنية التركمانية التي يجب أن يكون لها دور بارز في الحكومة القادمة وتهميش الكلدوأشوريين !!!
ولست منتقصا من مقام السيد الياورأذا قلت بأنه أذا كان لابد له أن يشغل منصبا ما في الحكومة الجديدة فالأجدر به أن يستلم وزارة الصناعة أو الطاقة لقربهما من تخصصه -أذا صح التعبير- بدلا من رئاسة الجمهورية. وأن كان المقترح الأمريكي أن يكون الرئيس القادم رئيسا رمزيا لا يتدخل كثيرا بالسياسة فهنالك الكثيرون من هم أجدر منه باشغال قمـّة السلطة "كالشريف علي" راعي الملكية الدستورية وحفيد العائلة المالكة العراقية- مثلا- كتكريم له وتكفيرا للجرائم التي أرتكبتها بعض الأيادي ألأثمة من العراقيين في حق عائلته في ١٤ تموز ١٩٥٨. ثم ليكن رئيس الوزراء (رئيس الحكومة) بعد ذلك أحد الشخصيات العراقية العربية المستقلة (الغير المتحزبة) شريطة أن يحكم بالعدل ويداوي جراح العراقيين ويخرج البلد من الدمار والحروب الدامية. ففي حقيقة الأمر أن رئيس الدولة يجب أن يكون شخصا مستقلا بكل معنى الكلمة وبعيدا عن الأنحياز لهذا أو ذاك.. وهذا الشرط لايمكن توفره في أي كان في عراق اليوم بعد أن أختلفت الأمور عن الأجيال السابقة وتغيرت المفاهيم والعقليات والأمزجة والتطلعات والأهواء وغيرها. ولا بد للمتحّزب الأنحياز لحزبه ولرفاقه وأعطاءه الأولوية والعمل له بدلا من عمله للبلد.
والسيد أياد علاوي هو الأخر مفـّضل أدارة التحالف مجتمعة للبقاء في منصب رئيس الوزراء (أب عراقي وأم لبنانية ) وهو شيعي المذهب، علماني وضابط سابق في المخابرات العراقية كما وله علاقات متينه مزدوجة مع المخابرات الغربية والأمريكية معا وقد أدى دورا رئيسيا في ضرب مدن العراق وأهلها بحجّة القضاء على الأرهاب و تمهيدا لخوض الأنتخابات.
أما السيد زيباري فهو الأخر الشخص الكردي الموثوق به أمريكياً وينطلق في عمله من رؤية كردية مستقبلية و أمريكية واضحة لاشك فيها. وله ماضي معروف في الأوساط الأسرائيلية حيث زار أسرائيل وشارك في دورات تدريبية خاصة فيها مما يضيف دعما أضافيا له شخصيا ويعزز من بقاءه في مركزه الحالي في الخارجية كأحد ممثلي العائلة البرزانية في السلطة المركزية الحالية ويكون حلقة وصل مع القيادات الكردية من جهة أخرى.
والمرجح أن يكون أحد نواب الرئيس (الجديد) من الشيعة والأخر من الأكراد! والكارثة الحقيقية في العراق ستبدأ فيما لو أصبح أي من مسعود البرزاني أو الطالباني النائب الثاني للرئيس!!!
أما السيد موفق الربيعي أحـد أعضاء حزب الدعـوة (وهو أيراني الجنسية) فسينال حظا وفيرا في الحكومة القادمة لا بدعم من الأدارة الأمريكية فحسب بل من كل من القيادات الكردية والأحزاب الشيعية معا. أما سبب ذلك فيعود الى تزلفه وتملقه -في الأيام الأخيرة الماضية- للقيادات الكردية من أجل تعزيز وضمان منصب رفيع له في الحكومة المقبلة.
أما المناصب الأخرى فستوزع على شخصيات غير معروفة للعراقيين ولكنهم مدعومون من قبل أدارة التحالف والقيادات الكردية معا على شكل غير متوازن وفي مواقع غير مناسبة وخارجة عن تخصصهم. والعملية الأنتخابية ما هي سوى عملية شكلية لتأطير وجه الحكومة المقبلة وتثبيت الأشخاص المعروفين والمدعومين من قبل أدارة الأحتلال والقيادات الكردية المتحالفة معها.
ومهما يكن الأمر فأن واقع الحال لعراق اليوم يعتبرغامضا للعراقيين ولا يعلم أحد ماذا سيحصل في الغد من تغييرات مفاجئة. لكن للأدارة الأمريكية ولمخابراتها رؤيتها الخاصة وخططها لمستقبل البلد والمنطقة وهي توحي بتثبت رموز الحكومة العراقية الحاليين في مواقعهم أن شارك العراقيون في الأنتخابات أم لا. وستنال القيادات الكردية حصة الأسد وستهمش القوى الوطنية الأخرى وتقهر رغم حصول بعضها على بضعة كراسي في المجاس الوطني.. والحالة العامة من الفوضى واللا أستقرار ستستمرفي البلد و سينفذ بعد ذلك المخطط المرسوم في كل من واشنطن وتل أبيب حول عراق الغد على شكل حلقات مسلسل.
وهذا الكلام ليس رجما بالغيب ولا من باب التشائم بل من منطلق توقع المستقبل الشبه المرئي وماهو مخطط للعراق ضمن الأستراتيجية ألأمريكية- الصهيونية-الكردية لعراق الغد. والذي لا يصـّدق فاليعيد قراءة هذه المقالة بعد شهر فقط من نشرها.