نتائج الأنتخابات العراقية التي قررت المصير ...
بين فنون التزوير وغياب الضمير - (الجزء الأول)
أنتهت قبل أيام الأنتخابات -التي قررت مصير الشعب العراقي للمرحلة القادمة - بكل سلبياتها و مراهناتها وما رافقتها من ملابسات ومفارقات مكشوفة و محسوبة ومن مجاملات مرحلية بين الأحزاب والتكتلات لتمرير مصالحهم الخاصة طمعا بالفوز بأي شكل كان ... بعد غياب الأمانة والرقيب وبعد موت الضمير لدى بعض القائمين عليها بفوز قائمة الأئتلاف الموحد بأكثر من 48% من الأصوات والأكراد بـ ۲٥٪ ثم يليهم قائمة علاّوي بـ ١٤٪ ثم الياور ويليهم الأخرون الذين شاركوا في ترشيح أنفسهم. ورغم تسجيل هذه المخالفات في سجل التأريخ لكن في نشوة ظهور النتائج لصالح الأحزاب الفائزة وبمرور الأيام ينسى الناس الكيفية التي جرت فيها تلك الأنتخابات ومدى فشلها وفقدانها للنزاهة ومدى غياب أخلاص ونزاهة القائمين على أخراجها. والأعلام الغربي ما أنفك من التأكيد على نجاحها بمشاركة 8.5 مليون ناخب عراقي فيها فارضا أرقامها الخيالية على العالم وعلى العراقيين بالقبول كيفما كانت وغض الطرف عن جميع المخالفات والتجاوزات وعمليات التزوير والتزييف والتحريف التي مورست فيها وأعتبارها أنجازا أمريكيا كبيرا للعراقيين أوأنجازا عراقيا في عهد الأحتلال الأمريكي لبلدهم! فحسب فلسفتهم "العبرة في النتيجة النهائية وليست في الوسائل المستخدمة".
أن تزوير الأنتخابات و نتائجها ليس بالجديد في عالمنا المعاصر... فالتأريخ الحديث يؤكد لنا - رغم أستخدام وسائل التكنولوجيا المتطورة كالكومبيوترات والشفرات الخاصة بكل محطة أنتخابية أو للناخبين - عدم خلو العمليات الأنتخابية التي تجري في الدول المتطورة من أعمال التحريف والغش والتحايلات بحيث تنتهي أخيرا بالفوز لصالح جهة التزويرالأشطر أو الأقوى على حساب الجهات الأخرى أو للجهة التي تريد لها المخابرات الأمريكية بالفوز.
فالرئيس الأمريكي الحالي "جورج بوش" فاز على منافسه السيناتور "ألبرت غور" في أنتخابات نوفمبر ١٩٩٩ في ظروف غامضة عندما ظهرت نسبة الأصوات متقاربة جدا (بالأعشار) ثم حسم الأمر لصالح بوش بسبب أجندته المعلنة والتي تخدم المصالح الصهيونية وبعد أن رد أستئناف "أل غور" من قبل اللجنة المشرفة على الأقتراع الأمريكي لصالح بوش رغم كون "أل غور" يهوديا. ثم تكـّررت الحالة في فوز بوش المشكوك في سباقه الثاني للرئاسة أمام المرشح الديمقراطي "جون كيري" في نوفمبر ۲٠٠٤ بفضل أصوات اليهود الأمريكان وذلك من أجل تمكينه لأكمال مشواره الذي بدأه في سحق أرادة شعوب الدول المقهورة كأفغانستان والعراق وأيران وغيرها. والمخابرات المركزية الأمريكية التي تديرها الماسونية العالمية في الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تحسم نتائج الأقتراع لصالح الشخصية التي تتمكن من القيام بالمهمات الصعبة أو لصالح مراكز النفوذ ... لذا فلم يستبعد المراقبون ترجيح كفة"جورج بوش" على منافسيه في المحاولتين السابقتين. ثم يأتي الدورالأعلامي لمخابراتها لأقناع الشعوب بمعقوليتها و نزاهة الأرقام المعلنة لتكون أكثر قبولا من قبل شعوبها ... وما خفي أعظم. فأن كانت تلك الخروقات تتم في هذه الدول الديمقراطية حيث الأستقرار الأمني والتكنولوجيا المتطـّورة في أحصاء السكان والسيطرة على أعدادهم وعلى عمليات الأقتراع فما بال الدول التي ترزح تحت الأحتلال كالعراق حيث تتسابق فيه بعض الأحزاب في الوصول الى السلطة من خلال التسابق في تزلفها وعمالتها الى أدارة الأحتلال..
وبسبب الظروف الغير الطبيعية للعراق كان أسهل ما في تلك الأنتخابات التزويروالتزييف والتلاعب بالنتائج لصالح المستفيدين والمنتفعين وأصحاب المصالح والقرار وذلك لأسباب عديدة رافقت العملية الأنتخابية منذ أعلانها من قبل هيئة الأحتلال الأمريكية وتوفرت لخدمة أصحاب الشأن. وهنالك جملة أمور لابد من تسليط الضوء عليها وتوضيحها للملأ وللعراقيين بالذات وفاءا لهم وخدمة للحق.
أن عدد أعضاء البرلمان العراقي الـ 275 قد حـدّد على أساس أن مجموع نفوس الشعب العراقي هو ٢٧.٥ مليون نسمة! أي أن كل عضو برلمان سيمثل ١٠٠,٠٠٠ نسمة من العراقيين! وفي الحقيقة أن عدد نفوس العراق أقل بكثير من هذا العدد وقد لا يتجاوز ألـ ۲٠ مليون نسمة في أحسن الظروف. لذا فقد كان الأجدر والأصح أن يكون عدد أعضاء البرلمان ٢٠٠ عضوا فقط من أجل تمثيل ٢٠ مليون نسمة! أما أسباب المبالغة في زيادة العدد فهي عديدة وتعود الى أن الحكومة العراقية السابقة كانت تحاول أستحصال أكبر كمية ممكنة من المساعدات الغذائية والأدوية من الأمم المتحدة والمنظمات الأنسانية للعراقيين، أضف الى غياب أي أحصاء سكاني رسمي دقيق وحديث لتأكيد هذ الرقم المبالغ فيه جدا، وأستشهاد أكثر من مليونين من العراقيين في كل من حرب الخليج الأولى(۱٩٨٠-١٩٨٨) والثانية (۱٩٩٠-١٩٩۱وما تلا ذلك من أنخفاض في نسبة الزواج والولادات وأرتفاع أعداد الأرامل والعوانس وكذلك أرتفاع نسبة وفيات الأطفال بسبب قلة الأدوية والتلوث الذي أحدثته نفايا المواد الكيمياوية والنووية التي أستخدمت في تلك الحربين. أضف الى هروب أعداد كبيرة من العراقيين الى الخارج بعد فتح الحدود في أعقاب حرب الكويت في ١٩٩۱ منهم الكثيرون ممن لم يشارك في الأنتخابات بسبب عدم أعترافهم بها أو لنفرتهم منها ومحاولاتهم لنسيان الضيم والأجحاف اللذان لحقا بهم جراء السياسات العنصرية البغيضة والدكتاتوريات الرعناء والتصفيات التي مورست في حقهم طيلة العقود الماضية التي أعقبت أنقلاب ١٩٥٨ والتي طالت عموم العراقيين. لذا والحالة هذه فأذا تم أعتبار نفوس العراق ٢٠ مليونا فقط فأن ٤٠٪ منهم فقط (٨ ملايين) سيؤهلون للتصويت وذلك على أعتبار العراق دولة نامية حيث أكثرية سكانها (٦٠٪ أي ١٢ مليون منهم) سيكونون من الأطفال أو ممن لم لا تتجاوز أعمارهم الـ ١٨ سنة واللذين لا يحق لهم التصويت قانونا.
وحتى في أحسن الظروف فلا يعـقل المنطق مشاركة جميع الـ 8 مليون عراقي -المؤهلون للتصويت- في الأقتراع لأعتبارات عديدة ولأسباب مختلفة أخرى معروفة للجميع و التي تـّفند النتائج المعلنة برمتها وتجعل منها سخرية العصر. فقد غاب عنها المصـّوتون السـّنة والقوى الوطنية الأخرى الغير المقتنعة بهاأساسا ليس فقط لأيمانهم كونها مشروعا أمريكيا بل بسبب الشك في عدالتها والأستحواذ عليها من قبل القوى الأنتهازية والعميلة والمتنفذة والمتواطئة مع الأعداء ومن حقيقة قيامها تحت حراب الأمريكان ومدافعها ودور أرادة الدول الكبيرة في المنطقة بنتائجها. وما رافق ذلك من ملابسات في تدخـّل جهات دولية وداخلية ذات المصالح الأقليمية فيها و الدور المشكوك للمفوضية العليا (المستقلة) والمشرفة على الأنتخابات والتي كان همها الوحيد هو أنجاحها بأي ثمن كان وحسب أعترافهم بأنفسهم. مما يضيف شكوكا أخرى على نزاهة النتائج برمتها... وما يلي ذلك من تخطيط مبيـّت في أعادة هيكلة العراق وتغيير مستقبله الجغرافي والحط من وزنه السياسي على الخارطة الدولية ونهب ثرواته. والعراقيون السـّـنة يكـّونون نصف المجتمع العراقي أن لم يكن أكثر... لهم وزنهم وثقلهم السياسي والسكاني في أية عملية من شأنها تخص الصالح العام. أمّا وقد غابوا عن الأنتخابات لعدم الأعتراف بجدواها من ناحية والظروف الأمنية الغير المستقرة أو بسبب التهديد والوعيد بالتفجيرات والقتل وعدم توفر الأحصاء الدقيق والحاسبات الألكترونية للسيطرة على أعداد الناخبين وغيرها. أضف الى أن الأخوة الكلدوأشوريون قد حرّموا من الأدلاء بأصواتهم في مراكز عديدة في كل من أطراف مدينتي الموصل وكركوك واسباب أخرى عديدة سبق ذكرها أو لا يسع المجال لسردها مما تدعم الريبة والشك في مجموع عدد المشاركين فيها والذي يجب أن يكون أقل بكثير من ٨ مليون نسمة!!!.
ومقابل هذه التداعيات التي رافقت العملية الأنتخابية من جهة ولغياب الأسباب المنطقية في القناعة بجدواها وبنتائجها برزت أهمية تطبيق سياسة " كل شيء من أجل أنجاح الأنتخابات وبأي ثمن" من قبل الجهات المتنفذة. ومن أجل ذلك رافقت العملية الأنتخابية جميع فـنون التزييف والتزوير والتلاعب والخروقات ليس في داخل العراق فحسب بل حتى في خارجه. وقد سبق وأن تطـّرقت الى بعضها في مقالات سابقة. وبينما كانت تجري تلك الخروقات من قبل أصحاب المصالح الأقليمية من العنصريين والمتحالفين مع أمريكا وأمام أعين اللجان الخاصة بالأنتخابات والتي كانت تغض الطرف عنهم وتستخف بالشكاوى والأحتجاجات المقدمة من قبل الخيرين من ضمن العناصر المشاركة فيها كانت أعمال التزوير والتلاعب بالنتائج في داخل العراق في أوج قمتها خصوصا في المدن التركمانية ككركوك وأربيل وبعقوبة والتي تأن تحت أسلحة القوات الكردية المسلحة وكانت تنـّفذ بقوة السلاح والتهديد من خلال سرقة صناديق الأقتراع ليلا الى المقرات الحزبية ومن ثم جلبها الى المراكز الأنتخابية في الصباح الباكر أو فرض التصويت على بعض البسطاء بالتأشير بقلم الرصاص بدلا من الحبر وذلك من أجل أمكانية مسحها ثم التأشير على التكتل أو الجهة الحزبية المطلوب التصويت لها من أجل تسلقها للسلطة. والأخبار القادمة من كركوك ومن اناس شاركوا في أعمال التحضير لها وفي أعمال الأقتراع تؤكد أن بعض الأكراد صـّوتوا عدة مرات، وفيهم من سجـّل أسماء بعض المتوفين من خلال أحضار أوراقهم الشخصية ومن ثم صوّتوا نيابة عنهم ومنهم من صـوّت في أكثر من مركز أنتخابي واحد ومنهم من غـّرر به للتصويت لصالح القائمة الكردية عنوة. وفي المركز الأنتخابي في لندن سرقت بعض السجلات الى خارج القاعة ليتم أملاءها من قبل من لا وثائق لهم أساسا وخروقات أخرى لا تعد ولا تحصى. وقد نوّهت بنفسي بعض الأخوة المسئولين القائمين على الأنتخابات في لندن على ضرورة (بل على حتمية) القيام بأداء القسم على كتاب الله من قبل جميع الموظفين المشاركين في الأعمال الأنتخابية لآضفاء النزاهة المطلوبة لها ولردع ضعفاء النفس من مغبة تزويرها والتلاعب بمستقبل البلد. غير أن تنويهاتي ذهبت أدراج الرياح بحجة ان العقد الموقع والذي لم تتح الفرصة لقراءتها من قبل الجميع يحتوي مثل هذا البند!. وأعني الرقيب هنا هو الخشية من الله عز وجل وتوفر الضمير الأنساني الحي لدى القائمين عليها وبدونهما فالنتائج أصبحت غير نزيهة بل منحرفة ومتحيـّزة للجهات التي زوّرتها المدعومة من قبل سلطة الأحتلال وأمام أعين الرقباء.