في سبتمبر ايلول عام ۱۹٨٨ اصدر جرذ العوجة قرارا من مجلس قيادة الثورة بالعفو العام عن جميع الاكراد بشرط تسليم اسلحتهم والعودة الى الصف الوطني، واستثنى من قرار العفو السيد جلال الطالباني ومنعه من دخول العراق، ولكنه(أي الرئيس المقبور) ورغم كل العرّافين والمنجمين وقارئي الكف الذين كان يستعين بهم ليقرأو طالعه وعلم الغيب فان احدا منهم لم يخبره بأنه سيأتي يوم سيجلس فيه جلال الطالباني على نفس الكرسي الذي يجلس عليه وسيحكم العراق لمدة شهر كامل، وفي خلال هذا الشهر سيبصم بالعشرة على جميع القرارات التي سيطلبه منه اصدقاءه الامريكان.
لو كان صدام يعلم ما في الغيب لما خرج في احدى طلاته الكثيرة في التلفزيون بمناسبة او بدون مناسبة وهو يضحك ملئ شدقيه ويروي لمن حوله تصريح ادلى به جلال الطالباني في ذلك الوقت(بانه عندما كان يذهب الى امريكا ينتظر بالساعات لكي يقابله موظف حكومي من الدرجة العاشرة أما هذه المرة فان الامريكان (حسب قول الطالباني) قد دعوه الى الجلوس وقدموا له قطعة كيك مع فنجان الشاي!!
ولكن صدام كان مخطئا في تقديراته واستهانته بهذه الحادثة، فالامريكان لم يقدموا الشاي والكيك لمام جلال الا بعد أن درسوا شخصية الرجل جيدا ووصلوا الى قناعة بأنه (أكو براسه خير) ويمكن ان يفيدهم وينفذ طلباتهم، وزادت هذه العلاقة الحميمة بعد الانتفاضة وفرض الحماية على شمال العراق واصبح للسيد طالباني صولات وجولات في زيارة اصدقائه كلما اشتاق الى قطعة الكيك المزينة بالكريما وفنجان الشاي، وعندما كان يعود يسارع الى عقد مؤتمر صحفي امام كاميرا التلفزيون الكردي المحلي(لم تكن هناك فضائية كردية في حينها) ليخبر الشعب الكردي بما وعدوه به الامريكان من ان مدينة كركوك هي لهم لا محالة وانه قريبا سيتم حفر ابار النفط في اربيل والسليمانية اسوة بباقي مدن العراق النفطية واشياء كثيرة اخرى لم اعد اذكرها، والحق يجب ان يقال فان البارزاني كان اعقل منه عندما كان يُسئل يقول : لقد وعدونا باشياء كثيرة ولكن المهم ان يوفوا بوعودهم.
وهذا الوفاء والاخلاص الغريب من الطالباني لاصدقائه الامريكان وعدم نسيانه للطعم اللذيذ لقطعة الكيك وفنجان الشاي امتد الى يومنا هذا، حتى بعد ان تحرر العراق واصبح هو الذي يقدم لهم الشاي والكيك في عقر داره !! اخلاص يجعله يخاف على مشاعر الحبايب من ان يجرحها بتصريح صحفي ويجعله يبيع اهل وطنه من اجل عيون الامريكان، ففي حين يخرج الرئيس الامريكي ليعلن من على الشاشة وامام عيون الكاميرات العالمية تقززه من مشاهد تعذيب السجناء العراقيين، بل وتبرأ من هؤلاء المجموعة من ان يمثلوا الشعب الامريكي، وفي حين يخرج بلير ليستنكر هذا العمل ويقول :ـ لقد ذهبنا الى العراق لننقذ العراقيين من هذه الممارسات لا ان نمارسها نحن، وفي حين يعترف جنرالات الجيش الامريكي (عدا رامسفيلد طبعا) انها ممارسات اجرامية ولا اخلاقية، وفي حين تقوم الدنيا ولا تقعد من استنكار لهذه الممارسات من دول اوربية ومنظمات انسانية وصحف وفضائيات لا تربطنا بهم رابطة دين وتاريخ ومواطنة الا رابطة الانسانية، يخرج علينا (المواطن العراقي) السيد جلال الطالباني عضومجلس الحكم العراقي والمناضل لسنوات عديدة من اجل تخليص شعبه من ممارسات السلطة البائدة من تعذيب وسجون واعتقال وترحيل ويصرح في المقابلات عن الديمقراطية والحقوق الانسانية للشعب العراقي، ولا اعلم هل يقصد بذلك الشعب العراقي ككل بجميع طوائفه ام يقصد الشعب الكردي فقط ؟؟ لانه في الحقيقة ينطبق عليه المثل المصري الذي يقول (اسمع كلامك اصدقك، واشوف امورك اتعجب)!!! يخرج علينا في احدى الفضائيات وبمنتهى البساطة وليعالج الخطأ بخطأ اكبر يعني بالعامية(راد يكحلها عماها) فيقول:ـ ان ما فعله الامريكان من تعذيب بحق الاسرى العراقيين ليس له اهمية مقابل ما كان يمارسه صدام حسين خلال خمسة وثلاثون عاما.. هذا هو تصريح من يصفه البعض بالزعيم الوطني وهذا هو رأيه في الاغتصاب والممارسات السادية وادخال الادوات الصلبة في الاماكن الحساسة !! فما دام صدام كان يمارس هذه الاساليب فما الضير من أن يمارسه الامريكان ايضا؟؟ فالشعب العراقي (متعوّدة دايما) حسب رأي زعيمنا الوطني..
وهنا يخطر في البال سؤالا افتراضيا ملحا، فالمعروف عن السياسة الامريكية بأنه لا صاحب لديها ولا صديق ولا تحركها الا مصالحها الشخصية ومن كان بالامس اصدق الاصدقاء يصبح بين ليلة وضحاها عدوا مبينا، وصدام حسين اصدق مثال على هذا.. فلو فرضنا ان المساجين كانوا من الشعب الكردي هل كان تصريح الطالباني الانف الذكر يتغير ام يبقى نفسه؟؟
قد يتعجب القارئ الكريم لأن جوابي سيكون مغايرا لما سيفكر به!!!!
اراهن ان التصريح سيبقى نفسه لان كل شئ يهون الا ان يحرم جلال الطالباني من قطعة الكيك المزين بالكريما وفنجان الشاي !!!!!