دور الملا البرزاني في مجزرة كركوك - ٣٠
شهادة الشهود والوثائق الرسميه العراقيه
عاشت كركوك على مدار تاريخها تنعم بالأمان، ولم تعرف ثمة تفرقه بين كردي وعربي وتركماني وآشوري، ولم يسجل التاريخ ثمة توترات عرقيه بين القوميات المتآخيه فى المدينه، وربط سكان المدينه العديد من الأواصر والوشائج وعاش أهلها فى محبه وأخوه وموده لامثيل لها، يشارك بعضهم البعض فى السراء والضراء، وكانوا بحق مزيجا عرقيا يضرب به المثل فى التسامح والتعاون والتعاضد إلا انه وفى نهاية الخمسينات من القرن الماضي ومع عودة الملا مصطفى البرزاني من منفاه فى روسيا بأمر من عبدالكريم قاسم الذي كان رئيسا للوزراء آنذاك تمكن هذا الملا ومن خلال بث دعاياته العنصريه بين البسطاء من الأكراد وتحالفه مع الحزب الشيوعي العراقي فى نشر الفوضى والدمار ليس فى كركوك وحسب بل وفى عموم العراق، وكانت القوميه العربيه والقوميه التركمانيه هما العدو الأول له فعمل على تفتيت وحدة العرب وإشاعة الفرقه والتطاحن بينهم فألب فريق منهم على الآخر حتى اضعف وحدتهم وتضامنهم حتى واتته الفرصه لإشباع نهمه فى الإنتقام منهم فساح فيهم قتلا وسحلا ومثلة بالجثث على نحو مافعل فى مجزرة الموصل والتى ابلى أتباعه فيها بلاء منقطع النظير فى سحل المواطنين فى الشوارع والتمثيل بجثثهم وثلم عيونهم وجدع أنوفهم وقطع ألسنتهم وتعليق جثث النساء عاريات – ولأول مره فى تاريخ العراق – على أعمدة الإناره والعبث فى سوآتهن وهن عاريات على ملأ من الجماهير على نحو مافعل أتباعه بالآنسه حفصه العمرى سليلة أحد وجهاء الموصل، وكانت معركته الثانيه مع القوميه التركمانيه التى كان يسعى لإستئصالها من الوجود كى يتثنى له تحقيق مآربه فى تفتيت وحدة العراق وتنصيب نفسه زعيما على جزء عزيز وغال من اراضيه تحت مسمى جديد (جمهورية كردستان الجنوبيه) فكانت مجزرة كركوك الرهيبه هى جزء من المخطط الفظيع الذى رسمه الملا مصطفى البرزانى على طريق الخلاص من تلك القوميه العنيده المتشبثه بمدينتها الخالده والرافضه للنزوح عن ارض الآباء والأجداد .. عن مجزرة كركوك الرهيبه التى إرتكبها صعاليك الملائيه والشيوعيه نواصل عرض شهادات من عاصروها ليعلم أبناء العراق والعرب حقيقة ما جرى فى تلك الأيام العصيبه من تاريخ العراق وانخرس بها ألسنة الأفاكين الذين مابرحوا يرددون الأكاذيب حول حقيقة ماجرى ملقين باللائمه على الضحايا لاعلى الجناه ناسين أن للتاريخ عيونا وآذان ... وفى السطور القليله القادمه نورد للقارىء العزيز شهادة الدكتور شاكر مصطفى سليم وهو عراقي عربي عاصر أحداث المجزره وسجل جوانبا منها فى مؤلفه " نضال وحبال " والذي يقول فيه :- " وهذه أمثله من الصور الداميه المفزعه التى عاشها ورآها أهل كركوك الجريحه. ولئن إدعى الفوضويون العملاء أن الذين قتلوا وسحلوا ومثل بهم فى حوادث الموصل الداميه كانوا ممن ساندوا حركة الشواف من (المتآمرين الخونه) ومن الذين كانوا (ضد الجمهوريه والزعيم) وأنهم بادأوا (القوى الديموقراطيه الخيره) التى كانت (سندا للجمهوريه) بالهجوم وإطلاق النار ..... فما قولهم فى مجازرهم فى كركوك وقضائهم على مايقرب من مائه وخمسين تركمانيا من المواطنين الأخيار وجرحهم قرابة خمسمائه فى وقت كان التركمان فيه يتسابقون لإظهار فرحهم فى يوم ۱٤ تموز، ذكرى مرور عام واحد على الثوره، وفى وقت كانت فيه المدينه تموج بالملابس الزاهيه والأقواس الجميله وبالأنوار الكهربائيه وتفوح فيها روائح الزهور والعطور وتتمايل فرحا على نقر الطبول ورنين الأهازيج الشعبيه .
لم يسكت العملاء المجرمون بل لجأوا إلى التمويه والمغالطه فاتهموا التركمان بتدبير مؤامره رجعيه وتناسوا أن حصيلة تلك المؤامره إزهاق أرواح عدد كبير جدا من رجال وشباب وأطفال التركمان أنفسهم . وثارت أعصاب كل الناس لصلافة وصفاقة العملاء الصعاليك التى لم يسبق لها مثيل فى اخلاق البشر .
ثم إدعوا أن الصور الفوتوغرافيه التى تداولها المواطنون ونشرتها الصحف المحليه والأجنبيه كانت مأخوذه فى الجزائر .. وجن جنون الناس من كذب أولئك الجزارين الوحوش الذين جاوزوا فى إستهتارهم كل الحدود . لقد تحدث الصعاليك العملاء عن الصور وفرضوا فى الناس الجهل فى نتائج مجازرهم وجرائمهم فى كركوك . كأن آلاف بل عشرات الآلاف من أهل كركوك لم يروا بأم أعينهم الجثث تعلق وتسحل فى الشوارع، ولم يروا سيارات بلدية كركوك تنقل الأشلاء لتقلبها فى حفره كبيره خارج المدينه كما تفعل بأنقاض المباني ..
لقد أراد الفوضويون أن يضربوا القوميه العربيه، عدوتهم الأولى فى مدينة القوميه العربيه، الموصل ... فنجحوا فى القتل والسحل والتمثيل فى الجثث، ونجحوا فى حرق البيوت ونهبها، ونجحوا فى نشر الفزع والذعر فى المدينه وفى قلوب الناس لفتره معينه ... ولكنهم لم ينالوا من القومية العربيه شيئا، بل على العكس، لقد نبهوا النفوس، وأيقظوا الضمائر . ففتح الناس عيونهم لخطر الطاعون الأحمر ولوباء الشعوبيه المدمر . فلم تزد القوميه العربيه إلا شموخا والدين إلا رسوخا، وأضحى الناس وهم أشد مما كانوا تمسكا بتقاليدهم ومثلهم وغيرة على تربة وطنهم .
وأراد الفوضويون العملاء أن يضربوا القوميه التركمانيه عدوتهم الثانيه فى مدينة القوميه التركمانيه كركوك . فنجحوا فى إزهاق بعض الأرواح، ونجحوا فى تعرية أنفسهم وأخلاقهم وإظهار حقدهم وبربريتهم، ولكنهم فشلوا فشلا ذريعا فى النيل من القوميه التركمانيه وفى التأثير على قوة تآخي القوميات وعلى شدة لصوق إخواننا التركمان بعراقهم . فكانت حصيلة مجازر كركوك الرهيبه تقاربا شديدا بين التركمان وكافة أهل العراق المخلصين لوطنهم وشعورا عميقا قويا من التركمان بأنهم لم يجر لهم ما جرى إلا لأنهم أعداء التبعيه وأعداء الشعوبيه وأعداء الفوضويه، ولأنهم عراقيون مخلصون لهذا البلد، ولأن مدينتهم ثانية قلعتين بعد الموصل، لايستطيع العملاء أن يثبتوا أقدامهم فى عراقنا قبل نسفهما ...
وعرف كل المواطنين فى العراق أن لم تكن فى كركوك مؤامره، ولم تكن فيها ثوره او عصيان او تمرد، ولم يطلق تركماني واحد إطلاقه واحده فى كل كركوك طيلة أيام المجزره الثلاثه . ولم يعثر الفوضويون الذين سيطروا على المدينه الجريحه قطعة سلاح واحد فى اى بيت من البيوت التى فتشوها . "
وهكذا جاءت شهادة الدكتور شاكر مصطفى سليم لتكشف لنا أكاذيب الصعاليك الملائيين والشيوعيين الذين حاولوا الإلتفاف حول الحقائق للمداراه على جرائمهم البشعه بحق المواطنيين الطيبين الأخيار إلا أن شهادته للتاريخ كانت لهم بالمرصاد تتعقبهم فى كل مناحي الكذب والإفتراء كاشفة لهمجيتهم ووحشيتهم وبربريتهم التى لم يشهد لها التاريخ مثيلا ..
وردت هذه الشهاده فى كتاب : نضال وحبال – للدكتور شاكر مصطفى سليم – الجزء الثالث – مطبعة العاني – بغداد ١٩٦۳، صفحه رقم ٢٠٨ / ٢۱٠