دور الملا البرزاني فى مجزرة كركوك - ۳۳
شهادة الشهود والوثائق الرسميه العراقيه
الدارسون للتاريخ العراقي زمن وقوع مجزرة كركوك يعلمون أنه كان هناك فى هذه الحقبه التاريخيه مؤامره تقودها الملائيه العنصريه كانت تستهدف إستئصال الوجود التركماني من كركوك والشمال العراقي، وقد إستخدمت الملائيه التي هي فكره عنصريه إنفصاليه تشبه إلى حد كبير الفكره الصهيونيه كل مالديها من سلطه ونفوذ وهيمنه وقوه من أجل محو الوجود التركماني والهويه التركمانيه، وكانت المجازر الدمويه هي أحد الوسائل والأساليب التي تبنتها الملائيه العنصريه بهدف إشاعة الفزع والرعب فى قلوب التركمان بهدف دفعهم للهجره إلى الوطن البديل (تركيا أو جمهوريات آسيا الوسطى) أو قبول عمليات الصهر العرقي للنجاه بالنفس من خطر الموت والتخلي عن الهويه والثقافه التركمانيه والتحول إلى مواطنين (مستكردين) داخل الدوله الكرديه التى كانت الملائيه العنصريه الإنفصاليه تهدف إلى إقامتها فى شمال البلاد، وقد تبنى الملا وأتباعه واشياعه فكرة " قطف الرؤوس " أى إغتيال وقتل وسحل قادة ورؤساء ووجهاء القوميه التركمانيه بهدف إشاعة الرعب والفزع فى نفوس عامة التركمان ولهذا أعد القتله الملائيون " قوائم " بنشطاء التركمان ليتم التخلص منهم فى المجزره وبطريقه بشعه تبعث على الرعب فى النفوس وكان على رأس تلك القائمه الطويله الشهيد عطا خيرالله الذي كان يعتبر القائد المحلي والمرجعيه التركمانيه آنذاك، وقد نفذ القتله الملائيون جريمتهم بحق قادة التركمان ونشطائهم ببشاعه منقطعة النظير غير أن بعض هؤلاء النشطاء ممن وضع القتله اسماءهم على تلك القوائم نجو من موت وسحل محقق الوقوع بالصدفة البحته أو بسبب عدم تواجدهم فى محال إقامتهم وقت الأحداث، ومن هؤلاء الباحث والمحام التركماني العراقي حبيب الهرمزي الذى كان وقت الأحداث شابا يافعا لايتجاوز عمره السادسه والعشرون إلا أنه كان يمتلىء بالحيويه والنشاط دفاعا عن قضايا وطنه وقوميته حيث توجه القتله الملائيون لمنزله إلا أنه كان آنذاك متواجدا عند أحد أصدقائه فنجا بأعجوبه من الموت سحلا وكان بحق بمثابة " الشهيد الحي " وقد كاتبت الشهيد الحي الأستاذ حبيب الهرمزي ليدلي بشهادته للتاريخ حول أحداث كركوك إلا أن ظروفا صحيه - شفاه الله - حالت بينه وبين ذلك، لذلك إكتفيت بسطور بسيطه كتبها منذ سنوات حول المجزره آملا أن لايحرم الباحثين عن الحقيقه من روايته ومشاهداته لأحداث المجزره الرهيبه عقب شفائه القريب بعون الله. . . وعن أحداث المجزره ونتائجها يقول الباحث!
والمحام العراقي حبيب الهرمزي مايلي ". . . . . . على أن مجزرة كركوك الرهيبه عام ١٩٥٩ تأتي فى القمه من تلكم الأحداث بسبب التأثيرات السياسيه والإجتماعيه التي ولدتها، لانريد هنا الخوض فى تفاصيل تلك الأيام الرهيبه وأعمال التقتيل والنهب والسلب التى تعرض لها شعب آمن، كما لانريد أن نقلب المواجع أو أن نتسبب فى نزف الجراح التى لم تندمل بعد رغم مرور ٤۳ عاما على تلك المآسي ولا أن نشير بأصابع الإتهام أو الأدله إلى الفصائل واصحاب الميول الذين كانوا وراء الأحداث لحاجه فى نفس يعقوب نأمل أن لايقضوها ابدا. إذ أن كل ذلك واضح وثابت ومدون فى بطون عشرات الكتب والمؤلفات والمقالات التى كتبها عراقيون وأجانب وفى شهادات الشهود المثبته فى محاضر جلسات المحاكم التى حاكمت منظمي ومنفذي المجزره وفى القرارات الصادره من تلك المحاكم، فإن كل الأدله تؤكد بما لايدع مجالا للشك زيف الإدعاءات التى روجت لها تنظيمات وفصائل معينه بهدف إظهار الشعب التركماني فى العراق بمظهر الخونه والرجعيين والإنفصاليين وكونهم يدبرون مؤامره ضد الجمهوريه ومكتسباتها وضد الزعيم الأوحد (عبدالكريم قاسم) ذلك أن الأحداث اظهرت ولو بعد عشرات من السنيين من هم الرجعيون ومن هم الإنفصاليون
إن ما سنتناوله بالبحث فى هذا المقال ينحصر فى نتائج هذه المجزره وإفرازاتها وما ولدتها من احداث سياسيه وتغيير وتعميق النوعى السياسي والتضامن الإجتماعى لشعب العراق.
كان عبد الكريم قاسم قد تمكن خلال فترة العام الأول من قيام الجمهوريه فى العراق من أن يكون الحاكم الأوحد للبلاد بعد نجاحه فى تصفية زملائه من قادة ومنظمي ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ ومع أن قاسم تزعم هذه الثوره القوميه ضد النظام الملكي المتفسخ، فإنه لم يكن يضمر أى ود أو تعاطف مع القوميه العربيه التى كان انصارها مالكين لزمام الشارع العربي فى معظم الدول العربيه، لم يكن قاسم قوميا بل وحتى لم يكن عربيا أيضا!!، واستطاع قاسم لفتره ما بذكائه حينا وبتهوره أحيانا أن يضمن بقاءه على رأس السلطه عن طريق ضرب الكتل القوميه بالكتل المناهضه لها وعلى رأسها الأحزاب والفصائل الشيوعيه والشعوبيه ومن والاها لتحقيق مآرب أخرى تتعلق بكيانها وتطلعاتها.
وجاءت أحداث مجزرة كركوك لتدق ناقوس الخطر فى ذهن عبد الكريم قاسم الذى ادرك ان زمام الأمور ستفلت من يديه إن لم يفعل شيئا لوقف المد الشيوعي الأحمر الذى طغى بتنظيماته الحزبيه على مصير البلاد بأجمعها، وبادر قاسم فى اليوم الثالث من المجزره التى إمتدت أربعة ايام كامله بلياليها بإرسال قسم من القوات العسكريه المتمركزه فى جلولاء وتمكنت تلك القوات من إيقاف موجة الجرائم والتقتيل والنهب والسلب وتحقيق الأمن النسبي فى كركوك بعد سيطرتها على فصائل القوات العسكريه والتنظيمات المدنيه المخططه والمنفذه للمجزره، وجاءت كلمة عبد الكريم قاسم التى ألقاها فى كنيسة مار يوسف كأول مؤشر للتغيير الذى حدث فى سياق السياسه العراقيه الداخليه، وذهب قاسم أبعد من ذلك فى هجومه على حلفاء الأمس فوصف منفذى المجزره بالفوضويين وبأنهم إرتكبوا أعمالا وحشيه لم يرتكبها حتى هولاكو وأكد على ان الجناه سيلاقون مصيرهم العادل أمام المحاكم، وهكذا بدأ عهد الإنحسار الشيوعي بعد المد الأحمر الذى طال لعام أو يزيد، ونستطيع هنا أن نؤكد على حقيقه واضحه و صريحه وهى أن التركمان ساهموا بدمائهم التى اريقت فى أيام ١٤/ ١٧ تموز وبشهدائهم الذين قدموهم خلال تلك الأيام العصيبه من إنقاذ العراق من كابوس الفوضويين وأن التركمان كانوا فى الأقل سببا فى تغيير السياسه العراقيه وانهم مهدوا السبيل للخلاص من ديكتاتورية قاسم ولو بعد حين.
أما التغيير الإجتماعى الكبير فى بنية المجتمع العراقي فقد حصل بعد إنتشار أنباء المجزره التى إرتكبت ضد التركمان فى كركوك والتى تصدرت الصفحات الأولى من الصحف العراقيه والعربيه والدوليه والحيز الأول من الأخبار والتعليقات الإذاعيه، فقد إكتشف إخواننا المواطنون العرب فى العراق فجأة وخلال ايام قليله أن هناك شعب أصيل يسكن فى شمال الوطن ويتمركز بكثافه فى مدينة كركوك الغنيه بالمصادر البتروليه ألا وهو الشعب التركماني العراقى الذى كان نفوسه يبلغ آنذاك مليونا ونصف، نقول ان إخواننا العرب (إكتشفوا) وجود التركمان ولسنا نبالغ فى ذلك ابدا، ذلك لأن قلة وسائل الإعلام والإتصالات آنذاك علاوه على سياسة الكبت والتعتيم التى مورست بحق التركمان فى أيام الإحتلال الإنجليزي والنظام الملكي وحتى فى العهد الجمهورى، جعلت المواطن العربي الذي يسكن وسط وجنوب العراق لايعرف أى شيىء بالمره عن إخوانه التركمان، وكان يطلق على كل ماهو غير عربي لفظ الكردي أو الكراد (صيغة الجمع المستعمله بللهجه البغداديه للفظة الكردي) وساهم الدستور العراقي المؤقت الصادر فى أوائل العهد الجمهورى فى هذا التعتيم والإنكار عندما نص على أن الشعب العراقي مؤلف من قوميتين هما العرب والأكراد متغافلا عمدا عن كيان التركمان الذين كانوا ولايزالون يؤلفون القوميه الثالثه فى العراق وبنسبه عاليه تبلغ ١۳٪ من مجموع الشعب العراقي.
وجاءت هجرة العشرات من العوائل التركمانيه إلى بغداد لتسكن فى مختلف مناطقها إثر الهزه السياسيه والإجتماعيه والإقتصاديه التى ولدتها وأفرزتها المجزره لتساهم فى تعريف المواطن العربي فى بغداد وغيرها من المدن بإخوانه التركمان، وزادت مشاعر التعاطف مع التركمان الذين تلقوا تلك الضربه المفاجئه والمفجعه بينما كانوا منشغلين بأفراح الإحتفال بالذكرى الأولى لقيام الجمهوريه وزادت تلك المشاعر من توطين أواصر المحبه والتآلف والتعاطف بين العرب والتركمان الذين كان السبب الرئيسي لتعرضهم للمجزره هو وقوفهم بصلابه وشجاعه أمام المد الشيوعي الذى كان قد طال كافة انحاء العراق آنذاك. نعم إكتشف المواطن العربي شعبا أصيلا ذا ثقافه عاليه وتراث وتقاليد إجتماعيه أصيله، فكان ذاك اللبنه الأولى التى ساهمت فى توطيد أواصر المحبه بين الفصائل والقوميات التى يتألف منها شعب العراق، وساهم نادى الإخاء التركماني الذى أسس ببغداد عام ١٩٦٠ من قبل جماعه من المثقفين التركمان الساكنين أصلا هناك أو (الذين هاجروا إليها بعد أحداث المجزره) فى توطيد أواصر المحبه والتآلف والتقارب بين العرب والتركمان، وقدمت مجلة (الإخاء) الشهريه التي أصدرها النادي المذكور (١٩٦١ - ١٩٧٧) خدمات جلى فى مجال التعريف بالأدب و الثقافه التركمانيه والتراث الشعبى التركماني لدى الأوساط الثقافيه العربيه وعامة المواطنين العرب.
أما فى مدينة كركوك ذاتها، فإن هذه الضربه المفجعه التى تلقاها التركمان أحدثت لديهم بعد حين رد فعل قوي ساهم فى تمسك التركمان بمشاعرهم وبتركيبة مدينتهم القوميه مثلما كان برهانا قاطعا ودامغا على تمسكهم بعراقيتهم وبحبهم لهذا البلد الطيب الذي عاشوا فيه مئات عديده من السنيين فأضحوا بذلك رمزا للوحده الوطنيه ولمبدأ التمسك بوحدة تراب الوطن العراقي، وهنا تظهر الحكمه الإلهيه العظيمه فى ماورد فى الآيه الكريمه (وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم).
رحم الله شهداء مجزرة كركوك وكل الشهداء العراقيين، فقد كانوا الشمعه التى ذبلت حينما أنارت طريق الكفاح للشعب العراقى فى نضاله للخلاص من الأنظمه الديكتاتوريه والعنصريه وكفاحه من اجل ان يتبوأ موقعه ضمن المجتمعات المتحضره التى ترعى حقوق الإنسان وتحفظ له كرامته وحقوقه وحرياته مهما كانت لغته أو قوميته أو عقيدته."
(وردت هذه الشهاده على احداث مجزرة كركوك ونتائجها فى مقال تحت عنوان: شهداء مجزرة كركوك. . شموع أناروا طريق الحريه لشعب العراق - جريدة صوت التركمان - العدد السابع - تموز ٢٠٠٢ - ص ١١)
وللحديث بقيه