دور الملا البرزاني فى مجزرة كركوك - ٣٤/ قسم۱
شهادة الشهود والوثائق الرسميه العراقيه
الدارسون للتاريخ يحارون فى معرفة الأسباب والمبررات التى ساقت وحوش الملائيه والشيوعيه لإفراغ مالديهم من مخزون الحقد الأعمى تجاه التركمان المسالمين، فلم يكن هناك ثمة مبرر واحد مقنع أو غير مقنع يعطي لهؤلاء الحقراء الحق فى إرتكاب هذه الجريمه النكراء وبهذه الوحشيه، ورغم إعتياد هؤلاء القصابون السحالون على إتهام الخصوم بالعماله والرجعيه وزعمهم الحرص على تراب الوطن إلا أن الجميع كان يعلم بعمالتهم لكل القوى وكان معروفا للقاصي والداني بأنهم مجرد " قتله أجراء " لمن يدفع أكثر وأنهم لم يتركوا بلدا واحدا له خلافا مع العراق إلا وباعوا أنفسهم له بثمن بخس دراهم معدوده، ومن ثم لم تكن شعاراتهم الفارغه لتنطلي على أحد ولم تكن ماركسيتهم اللينينيه أو الماويه لتخفي وجوههم القبليه والعشائريه والعنصريه البغيضه، وكان زعيم الملائيه المعروف " بالملا الأحمر " يعلن للملأ بأنه على إستعداد للتحالف مع الشيطان من أجل تحقيق أهدافه وكان يشبه نفسه بشحاذ أعمى يجلس أمام جامع بالسليمانيه لاينظر فى شخص من يعطيه الصدقه، وبالمقابل لم يعرف عن التركمان يوما خيانه لتراب الوطن بل كانوا حراسا لحدوده وثغوره على مدار التاريخ.
وكانوا أمناء على شعبه فلم يعرف عنهم إنحراف أو تجاره بقضايا الوطن أو رغبه فى الإنفصال عن ترابه، رغم أن دستور هذا الوطن لم يعطهم من الحقوق مثلما أعطى من خانوا وفرطوا ونزعوا نحو الإنفصال، ومع ذلك فإنهم إعتصموا بالصبر ولم يقودوا تمردا أوعصيان .... فلماذا جرى لهم ماجرى وعلى يد خونة الأوطان؟
للإجابه على هذه التساؤلات يقول الباحث العراقي والكاتب الكبير الأستاذ نور الدين موصللو مايلي:-
"عند تصفح اوراق الايام الثلاثة التي وقعت احداثها في ١٤ تموز ۱٩٥٩ في كركوك، نخرج بالعديد من القصص والروايات الواقعية العامة منها والخاصة وهي تصور مدى بشاعة الوقائع التي وقعت في تلك الفترة القصيرة واغلب المعاصرين لها من القريب على علم بجزئياتها. ورغم مرور ما يزيد عن اربعة عقود عليها الا ان الاقلام لم تتناولها بالتفصيل دراسة وتحليل في كتاب شامل يتطرق بمجمل اصول الواقعة واجزائها المرتبطة بعوامل سياسية اقتصادية اجتماعية مع مصالح متقاطعة لاطراف عديدة، الغريب فيها انها اجتمعت متفقة لتنفيذ المجزرة، ومع ان بعض الكتاب تناولوا الموضوع في كتبهم ومؤلفاتهم الا انه لم يتجاوز مجرد وريقات من عنوان هامشي في كتاب معلومات قسما منه منافية للحقيقة والقسم الاخر جاء ينقصه ادق التفاصيل المرتبطة بمجريات الامور في عموم العراق وتجربتها الفتية لولادة الجمهورية. عليه ارتأيت ان اعيد قراءة اوراق التاريخ في لحظة اعادة الزمن واتحدث عن صفحات لم تقرأ سطروها بدقة وامعان كاشفا عن حقائق وخفايا بعيدا عن اسلوب الروايات القصصية او طريقة كان يا مكان، علما بان جهات عديدة حاولت منذ البداية طمس الحقيقة واخفائها والتستر على بعض الرموز الناشطين في اشعال فتيل الانفجار ولعل الاجابة بصدق وامانة على هذه التساؤلات بداية البداية لتلك النهاية المؤلمة لنتيجة كان نارها ووقودها شعب يحلم ولا يزال بمعطيات خيرات بلاده بعد اعلان الجمهورية ومن هذه التساؤلات …. لماذا اختيرت كركوك مسرحا لهذه العمليات دون مدن العراق الاخرى ؟ كيف نسجت خيوط المؤامرة؟ وما هي المحاولات التي سبقتها ؟ ولماذا فشلت ؟ والى اخره من الاستفهامات التي لم تتناولها الاقلام بالمناقشة والتحليل بقدر ماجرت من الحكايات على الالسن وما عبرت عنها الصور الفوتوغرافية وهي تجسد هول بشاعة سلوكيات انسان ابن البلد ازاء اخيه في الدين والوطن من ابن نفس البلد تلك الصور التي يعدها البعض من المثقفين الكتاب المعاصرين مجرد التعبير عن احدى حالات تلذذ التركمان في نشرها وكانها واحدة من ثقافاتهم ليس الا.
ابتداء اقول ان كركوك تلك المدينة الامنة الوديعة الشامخة بقلعتها وليالها المنيرة بنيران بابا كركر الازلية كانت تعيش الهدوء والسلام بسكانها الخليط من القوميات والاديان رغم ماتخللتها من الاحداث في الفترات المتباعدة من التاريخ وهم يستضلون تحت مضلة الاخوة منصهرين في بودقة المحبة والتعاون تربطهم رابطة الدين والدم والارض واللسان تارة ورابطة العمومة والخؤلة تارة اخرى. من هنا اختيرت كركوك مسرحا لتنفيذ هذه الخطة. وبسبب هذا الخليط من والقوميات ولوجود النفط الذي يشكل شريانا مهما من الاقتصاد العراقي اولا والاستراتيجية الغربية ثانيا .. ثم اضاف المخطط حجة اخرى في ترويج مخططه وتنفيذه مدعيا بان الكرد يرغب في الانفصال عن العراق وتكوين دولة كردستان بعد ضم كركوك اليها وهذا لا يكون الا بعد القضاء على التركمان. ولقد كان المخطط ماهرا في استخدام ذكائه لضرب ضربته حتى انتظار سنوح الفرصة لها بابعاد بعض المسؤولين عن امن وسلامة المدينة وعلى راسها قائد الفرقة الثانية المرحوم (ناظم الطبقجلي) وترشيح من لايكون عائقا ان لم يكن عاملا مساعدا في تنفيذها لان الاخير تمكن ولعدة مرات من تهدئة الاوضاع بسياسته الحكيمة وسعة علاقاته مع الاهالي ومنع تنفيذ المؤامرة التي جرت محاولات عديدة من خلال خلق الاسباب والمسببات لها ومنها :-
اختلاق جو التناحر والفوضى على اثر زيارة المرحوم البرزاني في اواخر تشرين الاول من عام ١٩٥٤ ومغادرته لكركوك واتهام الجيش بمحاولة اغتياله وكذلك اتهام التركمان بالقيام باضرابات ومظاهرات احتجاجية على اثر زيارته وفغلا حدث تصادم بين انصار المؤامرة والعناصر المناوئة لها وقد تدخل المرحوم الطبقجلي لحيلولة دون وقوع المجزرة الاولى.
حادثة عمليات التفتيش على الاسلحة التي جرت يوم ٢٧/١٢/۱٩٥٨ من قبل لجنة مرسلة من بغداد على اثر وشاية واخبار كاذبة مفادها ان (ابراهيم النفطجي والمرحوم عطا خير الله والعقيد المتقاعد شليمون معاون مدير العينة) يحتفظون بكميات كبيرة من الاسلحة والاعتدة في بيوتهم بغية استخامها ضد الحكومة المركزية وبعد اتمام التفتيش الذي رافق من الاستفزازات والاعتداءات على حرمات البيوت بقصد الاثارة لم يجدوا سوى بنادق صيد وعدد من المسدسات المجازة وكادت تحدث مجزرة جراء تلك العمليات لولا يقظة الفرقة الثانية واخذها كافة التدابير اللازمة.
اما المحاولة الثالثة لتعكير الامن في كركوك فقد وقعت بسبب مديرة دار المعلمات (لبيبة احمد الريس) مع الطالبات في ٢٨/٢/۱٩٥٩ لاسباب عقائدية وتطورت الحادثة لتنذر وقوع الكارثة لولا تدخل الفرقة الثانية بعد تجمهر المواطنين واهالي الطالبات وبعض العناصر المؤيدة للمديرة وكانت هذه قبل المجزرة باشهر قليلة.
ومع فشل المحاولات السابقة كان الموعد مع ساعة الصفر لخطة محكمة نفذت عصر يوم ١٤/ تموز بعد ان هيأت لها كل السبل ومستلزمات التنفيذ وخصوصا بعد اقصاء المرحوم الطبقجلي من منصبه الذي كان مانعا لوقوع المجزرة طوال وجوده في كركوك .. وعند سماعه بوقوع المجزرة وهو في السجن قال .. (اراد … عمل هذا منذ كنت قائدا في كركوك ولكني تمكنت من منعهم لكن الان فعلوها فليكن الله في عونك يا كركوك الجريحة) وقد توخت جهات المخططة لهذه المجزرة الرهيبة تحقيق جملة اهداف من وراء ذلك والتي تمتد جذورها الى عمق التاريخ وبالتحديد من سلخ الاقطار العربية عامة. والعراق خاصة من جسم الدولة العثمانية وما رافقتها من الملابسات على الساحة السياسية وظهور قوى جديدة في السياسية الدولية والخلافات التي نتجت عن ذلك بعد الحرب العالمية الاولى جراء الاعلان عن العديد من الاتفاقيات السرية والمعاهدات المبرمة بين الاطراف الدولية منها اتفاقية سايكس بيكو .. وعد بلفور .. معاهدة لوزان .. اتفاقية سيفر … وما صاحبها من تقسيم العراق وظهور مشكلة الموصل بين فرنسا وانكلترا وتركيا الحديثة (الدولة العثمانية سابقا) والتي كانت كركوك جزءا من هذه الولاية وبذلك يمكن حصر هذه الاهداف كالاتي :-