دور الملا البرزاني فى مجزرة كركوك - ۳٦
شهادة الشهود والوثائق الرسميه العراقيه
يحاول بعض الطائفيون ممن يكتبون عن مجزرة كركوك أن يحملوا التركمان مسئولية الأحداث ويدعون بأن التركمان هم الذين أشعلوا فتيل الفتنه وأنهم هم الذين بدأوا بإستفزاز الطرف
الآخر، ويرى هؤلاء أن التركمان كانوا يضمرون العداء للجمهوريه الوليده وللزعيم الأوحد عبد الكريم قاسم، وانهم سعوا لإفشال الإحتفال بالذكرى الأولى للثوره والذى قامت على تنظيمه القوى الشيوعيه والكرديه، ويرفض هؤلاء القول بوجود مؤامره مدبره ومعده سلفا من قبل صعاليك الملائيه والشيوعيه للقضاء على التركمان وتصفية الوجود التركماني فى كركوك وقتل وسحل قادتهم ويرون أن الأحداث إنطلقت بصوره تلقائيه إثر شجار عادي وأن التركمان كانوا هم البادئين بإطلاق الرصاص على المسيره الشيوعيه الكرديه، وأن الضحايا قد سقطوا من الجانبين.
ولما كان للتاريخ عيون وآذان، وكانت الحقيقه لاتضيع مهما طال الزمن أوإعتقد الأفاكون أنها إندثرت أو طمرت تحت غطاء الزيف الذى خطته الأقلام المضلله فإننا نقدم للقراء الأعزاء رؤيه من قلب الأحداث خطها محرر صحفى عراقي عاين الوقائع على الطبيعه وحدد بدقه من هو الوطني ومن الخائن ومن هو الجاني ومن الضحيه، وعلى من تقع مسئوليه الأحداث وبعث لجريدته فى بغداد بحقيقة ماجرى، فقد كان مراسل جريدة الفجر الجديد هناك فى كركوك ورأى الأحداث بعينيه وقامت جريدة (الفجر الجديد) بنشر هذا التقرير عن الأحداث فى عدد ١٥ محرم الحرام الموافق ۲۲ تموز ١۹٥۹ وجاء فيه مايلي:-
". . . نحن الآن فى مطلع شهر تموز، واستعدادات التركمان قائمه على قدم وساق للإحتفال بعيد الرابع عشر منه، عيد الجمهوريه الأول عيد التحرر والإنعتاق من قيود الذل والعبوديه والإستعمار، وراحت الأيدى المخلصه تقيم مظاهر الأفراح، وقبل أن يحل يوم العيد الأغر كان التركمان قد اقاموا (١۳۳) قوسا رصعوها بكل مظاهر الزينه وتوجوها بصور الزعيم الأوحد بطل ١٤ تموز الخالد اللواء عبدالكريم قاسم وفى حين كان هؤلاء المواطنون الأحرار منهمكون بإقامة الأقواس ومعالم الزينه كان الشيوعيون وأعضاء الشبيبه الديموقراطيه وقسم من المقاومه الشعبيه ورسل مايسمى ب " الجبهه الوطنيه " يمارسون ضروبا شتى من أعمال الإستفزاز والإثاره، من ذلك أنهم كانوا يطوفون فى البلده وهم يحملون (علم دوله معينه) ويرددون هتافات معاديه تنادى بسقوط التركمان تتقدمهم جماعه تحمل كميات من الحبال والسلاسل يلوحون بها للمواطنين على أنها ستكون أداة القضاء عليهم فى الموعد المحدد والأجل المضروب.
وقابل التركمان تلك الإستفزازات بهدوء وضبط أعصاب، وكانوا أحيانا يردون عليها بهتاف واحد (ماكو زعيم إلا كريم) فى حين كانت البلده كلها تقف مشدوهه بإنتظار ما وراء الأكمه. واقترب عيد ١٤ تموز الخالد وتحدثت كركوك كلها عن شيىء ذى بال، لقد أوعز الشيوعيون منتسبوا الجبهه الوطنيه إلى أقاربهم ومعارفهم القاطنين فى كركوك بالنزوح عن البلده، واذا لم يكن ذلك ميسورا فإخراج الأطفال والنساء على أن يتم ذلك قبل ١٤ تموز، وتساءل الناس عن السر الذى يكمن وراء هذا الإيعاز، ووضع المواطنون أيديهم على قلوبهم خوفا مما ينتظرهم من عدوان، ولم يكن بمقدورهم النزوح عن مرابع الآباء والأجداد وليس لهم أقارب يلجأون إليهم خارج هذا اللواء ومنهم من لايملك نفقات الهجره، منهم الشيخ الطاعن والمرأه العجوز والشابه و ربة البيت والأطفال، فما العمل؟
لاشيء. . . لاشيء. . . اللهم إلا إفتراض الحمايه من دوائر الأمن المسئوله عن حياة المواطنين وهكذا ظل الأبرياء حيث هم وعبأت القدر بما عنده.
وصل يوم ١٤ تموز الخالد وانطلقت كركوك الوفيه المخلصه لتحتفل به وفى المساء أخذ موكب التركمان طريقه ضمن المنهاج المقرر وكان المعروف ان الموكب سيقتصر على التركمان فقط، ولكن عصابات الشر والجريمه كانت أعدت للعدوان خطه فتسللت خلسه واندست بين الصفوف فى حين وزعت من اعوانها نفرا على ارصفة الشوارع التى يمر منها الموكب وقرب الأقواس وقد زودوا بالهراوات والعصي والأسلحه الناريه التى كانت مخبأه تحت الملابس، حتى إذا بلغ الموكب النقطه الذى قرر الشيوعيون مهاجمته فيها انهالت على المواطنين الأبرياء عصى الشقاه وهرواتهم وسالت الدماء فوقع من وقع وفر من إستطاع الفرار.
وحقيقه يجب أن تدون للتاريخ أن الذين إنتظموا فى موكب التركمان لم يكونوا يحملون أى نوع من السلاح، فلما داهمتهم بالعدوان أسقط فى أيديهم فلم يجدوا بدا من التفرق والإلتجاء كل إلى بيته حذر الفتنه الداعره والإعتداء الأثيم.
وخلا الجو للعصابات العابثه المجرمه، فالتفوا نحو الأقواس وراحوا يحطمونها واحدا بعد آخر حتى جاءوا عليها جميعا ولم يكتفوا بذلك وإنما أشعلوا فيها النار وفى أقل من ربع ساعه كانت كركوك وكأنها بركان انفجر لاترى فيها غير ألسنة اللهيب تأكل الأخضر واليابس.
وقبل أن تخمد النيران هاجمت العصابات مقهى ١٤ تموز و صاحبه عثمان فشدوا وثاقه وأخرجوه إلى الشارع وانهالوا عليه طعنا وتقطيعا حتى اسلم الروح فى حين إنصرف آخرون منهم لتحطيم مافى المقهى من أثاث ومتاع، ثم لفوا حبلا على رقبة الضحيه القتيل وسحبوه فى الشارع وكما فعلوا فى مقهى البيات وسينما اطلس وسينما العلمين وقتلوا اصحابهما وسحبوهم بالحبال فى الشارع ثم علقوهم مع سابقهم عثمان على فروع الأشجار. وفى نحو الساعه التاسعه مساء أذيع بيان من قيادة الفرقه منع بموجبه التجول، وكان من المفروض أن تخلو الشوارع من الماره ولكنها لم تخل إلا من التركمان فقط فى حين ظلت العصابات الشيوعيه وأتباع الجبهه الوطنيه وبعض أفراد من المقاومه الشعبيه وكلهم مسلحون وفى أثناء ذلك هاجم لفيف من المقاومه الشعبيه مركز امام قاسم واستولوا على مافيه من أسلحه وعتاد، وراح الجميع الشيوعيون والجبهه الوطنيه والمقاومون يعبثون فى البلده فهاجموا جميع المحلات التجاريه والحوانيت العائده للتركمان ونهبوا ما فى هذه المحلات من أموال ونقود وأحرقوا الأموال التى لم يستطيعوا نقلها أو إتلافها، وقد دامت عملية النهب والحرق والإتلاف حتى الساعه الثالثه
صباحا على وجه التقريب.
وفى اليوم التالى قامت العصابات الشيوعيه وأفراد المنظمات الأخرى بمهاجمة دور معينه وأكرهوا أصحابها على الخروج حتى إذا قبضوا عليهم طوقوا أعناقهم وهم أحياء فإذا أسلموا ارواحهم علقوا على فروع الأشجار كما فعلوا بالمرحوم الشهيد قاسم نفطجى وغيرهما ممن لم تعرف أسماؤهم وهوياتهم بعد، ولقد ظلت عصابات الشيوعيين تمارس هذه الأعمال البربريه تسحب جثث القتلى فى الشوارع وتعلقهم على فروع الأشجار طوال يومي ١٥ و ١٦ حتى وصلت قوات الجيش الباسل من بغداد وسيطرت على المدينه وقضت على وحشية الشيوعيين.
وإلى هنا ينتهى الفصل الثانى من المأساه. ولنترك الفصل الثالث والأخير للعداله تستعرض الوثائق وتدقق ملابساته، ويكفى أن نشير إلى أننا إضطررنا إلى طي كثير من النقاط حرصا على الوحده الوطنيه التى حاول المجرمون تصديعها لحاجه فى النفس، وبئست حاجه وساء قصدا. "
(وردت هذه الشهاده فى عدد جريدة الفجر الجديد العراقيه الصادر فى ١٥ محرم الحرام الموافق ۲۲ تموز ١۹٥۹)