يضم العراق فى ربوعه قوميات وأديان ومذاهب شتى، والتركمان أحد هذه القوميات التى تشكل جزءا أصيلا من نسيجه الوطنى، والتركمان من حيث الديانه مسلمون ومسيحيون ‘ ومذهبا شيعه وسنه، وقد عانى التركمان على مدار التاريخ العراقى المعاصر من التهميش والإقصاء والتهجير والسجن والتعذيب والنفى والتشريد، وتعرضوا لمحاولات الصهر العرقي سواء من قبل الحكومات المتعاقبه على حكم العراق او من جيرانهم الملاصقين الأكراد، وحرموا من تولى المناصب الوزاريه ووظائف الإداره العليا رغم ماعرف عنهم من عطاء بغير حدود لوطنهم العراق وحرص شديد على وحدة أراضيه وتماسك لحمته الوطنيه والقوميه.
وفى الوقت الذى إنتفض فيه الأكراد شاهرين أسلحتهم فى وجه الدوله، كانوا وبالمقابل يديرون معركة أخرى مع التركمان ينازعونهم فيها دورهم ومناطقهم ويبذلون قصارى الجهد من أجل الإستيلاء على كركوك مدينة التركمان التاريخيه، وتغيير الواقع الديموغرافي للمناطق التركمانيه، وهكذا وجد التركمان انفسهم بين مطرقة العرب وسندان الأكراد، فكانوا ضحايا لفكرتين تعصبيتين عنصريتين هما: " التعريب والتكريد ".
ووقع التركمان بسلامة نياتهم ونقاء سرائرهم ضحايا لمجموعات عدت نفسها من ضحايا النظام البعثفاشى البائد، ولم يسلموا من المكائد التي حاكها لهم الأحزاب والقوى المعارضه العراقيه (إسلاميه وغير إسلاميه) التي تآمرت مع الأكراد من أجل تهميش دور التركمان ‘ ولا ينسى التركمان الدور التآمري الذي لعبته بعض القوى العربيه الدينيه التى يدعو نفر من التركمان الآن لإنتخابها فى حياكة المؤامرات ضد التركمان قبل وبعد سقوط النظام، فقبل سقوط النظام وأثناء إنعقاد مؤتمر لندن عقدت هذه القوى التي ترتدى رداء الدين وتتمنطق بالمقولات الدينيه إتفاقا مع الأكراد تقضي بنوده بتمكين هذه القوى من إحكام هيمنتها على لجان المؤتمر مقابل إقصاء وتهميش التركمان وحرمانهم من لعب أى دور فى رسم السياسه المستقبليه لبلادهم، وكان أن صدر البيان الختامي لهذا المؤتمر غافلا الإشاره إلى التركمان كقوميه ثالثه (مادة ١١) كما جرى تقليص نسبة التركمان إلى ٦٪ فقط، مع عدم تضمين البيان أى ذكر للحقوق السياسيه للتركمان، وهكذا وبفضل هذه الأحزاب والقوى العربيه الدينيه التى كان يؤمل فى دينها وإسلامها ضاعت حقوق التركمان.
وبعد سقوط النظام فى ٩/٤/٢٠٠٣ سارت هذه القوي الدينيه على منهاجها فى المكر والخديعه تجاه التركمان، واتبعت سياسه إنتهازيه أنانيه إعتمدت على عقد التحالفات المشبوهه مع الأكراد المتصهينين المدعومين أمريكيا والتضحيه بالتركمان ومصالحهم فقاموا بتقليص نسبة تمثيل التركمان (المقلصه أصلا) والمقرره فى مؤتمر لندن من ٦٪ إلى ٤٪ بأن عينوا فى مجلس الحكم الإنتقالي عضوه واحده لتمثيل التركمان من بين ٢٥ عضوا يشكلون مجمل أعضاء هذا المجلس ولم تكن هذه العضوه من بين أى من القوى الرئيسيه التى تعد ممثلا شرعيا للشعب التركماني، وعند تشكيل الوزاره العراقيه المؤقته لم تتفضل هذه القوى العربيه الإنتهازيه المتخفيه خلف الشعارات الدينيه على التركمان إلا بهذه النسبه فلم يعين فى تلك الوزاره إلا وزير تركماني واحد هو السيد رشاد مندان الذى أسندت إليه وزاره قليلة الأهميه وغير سياديه وهى العلوم والتكنولوجيا.
وعند إقرار الدستور العراقي المؤقت (قانون إدارة الدوله العراقيه المؤقت) وبفضل هذا التحالف غير المقدس بين القوى العربيه المتخفيه خلف الشعارات الدينيه والأكراد حرم التركمان من الإشاره اليهم كقوميه ثالثه فى الدستور ولم يتضمن الدستور أي إنجاز يذكر بشأن حقوقهم الثقافيه والسياسيه.
وبفضل التعاون بين تلك القوى العربيه والأكراد تسارعت عملية تكريد كركوك عقب سقوطها فى يد الأكراد فى ١٠/٤/ ٢٠٠٣، وقام الأكراد بجلب مايزيد على مائتي ألف كردي من عمق الشمال ومن البلدان المجاوره للعراق وتوطينهم فى كركوك.
وعلى الرغم من أن إجمالي عدد المرحلين من كركوك فى عهد النظام السابق من التركمان والأكراد لم يزد على أحد عشر ألف وثمانمائة مواطن إلا أن الأكراد حاولوا قيد ٧٢ ألف كردي في سجل قيد الإنتخابات لمدينة كركوك، وهو مارفضته المفوضيه العليا المستقله للإنتخابات فرع كركوك، فقام الأكراد وعبر تحالفاتهم المشبوهه مع بعض القوى العربيه بإجبار رئيس تلك المفوضيه على الإستقاله ومن ثم طلب تمديد فترة قيد المواطنين فى سجل الإنتخابات بحجة إعطاء الفرصه لمن لم يتم قيده وإن كان الغرض الحقيقى من وراء ذلك هو إعادة قيد من رفض قيدهم لثبوت تزوير وثائقهم.
ولم تتوان هذه القوى العربيه – وحسب ماتوارد مؤخرا من أنباء – على مساعدة الأكراد فى قيد مايربو على مائة ألف كردي فى سجلات المفوضيه العليا المستقله فرع بغداد بوثائق ثبوتيه مزوره.
وهاهي الشواهد تترى وتتوالى مؤكدة على أن هناك نيه مبيته للتزوير لمصلحة أصحاب التحالفات المشبوهه بهدف تهميش وتقليص وإقصاء التركمان عن الحصول على التمثيل المناسب إذ تم رفض قبول التركمان الذين تقدموا للجنه الدوليه للهجره للإشراف على سير العمليه الإنتخابيه فى الخارج لقرابة مليون عراقي يعيشون فى المنفى وتم الإستعاضه عنهم بأكراد يتكلمون التركمانيه تقدموا بأوراقهم كتركمان، كما تم رفض إعتماد اللغه التركمانيه ضمن اللغات المدرجه فى الإستمارات الإنتخابيه مع أن نسبه عاليه من المواطنين التركمان لايجيدون اللغتين العربيه والكرديه، وتواردت أنباء على عزم الحكومه العراقيه على الإستعانه بقوات البشمركه (سيئه السمعه) فى حراسة اللجان والمقار الإنتخابيه وهو ما أكده وزير الدفاع الأمريكي فى أحد التصريحات التى صدرت عنه مؤخرا مع حساسية هذا الموضوع بالنسبه للتركمان، إذ قد تسبب هذه القوات (الشرسه) والمعروفه بإساءة معاملة الناس فى إحجام التركمان عن عملية الإدلاء بأصواتهم إتقاءا لشرها.
إن كل هذه الجرائم التى ارتكبت فى الماضى – ولاتزال – فى حق القوميه التركمانيه قد تمت بمباركه من الأحزاب العربيه الدينيه التى تتخفى وراء الشعارات الدينيه والتى يدعو بعض الأشخاص التركمان لمؤزارتها وإعطاء أصواتهم لها بإعتبارها قوى مثاليه سوف تضمن للتركمان حقوقهم مع أن الواقع يؤكد العكس تماما، إذ أن التجربه الواقعيه أثبتت أن هذه القوى والأحزاب لايعنيها إلا مصالحها الذاتيه وتحالفاتها المشبوهه، ولو كان لديها النيه فى إنصاف التركمان لفعلت ذلك فى الماضى وهى تملك جميع الأوراق فى أيديها.
لقد أثبتت التجربه الواقعيه أن التركمان لايدافع عنهم وعن حقوقهم المشروعه سوى التركمان، وكان الصوت التركماني الوطنى يقف وحيدا وبالمرصاد لكل التحركات المشبوهه الهادفه إلى المساس بحقوق التركمان ولم يثبت أن قدمت تلك القوى المتخفيه خلف الشعارات الرومانسيه أى معونه للشعب التركماني، بل كانت كالسد المنيع والعقبة الكؤود فى طريق تحقيق أحلامه وطموحاته فى العيش الحر الكريم.
ويبدو أن تلك القوى العربيه الإنتهازيه المتحالفه مع الأكراد قد أبرمت إتفاقا جديدا يجري بمقتضاه تقليص حصة التركمان فى البرلمان العراقى الجديد لما هو أقل من ٤٪ وإلا بماذا نفسر إصرار تلك القوى على دعوة أتباعها فى الوسط التركماني لدعوة التركمان الشيعه للتصويت لقائمه عربيه مع أن الشيعه يمثلون أكثر من نصف المجتمع التركماني ولايمكنهم الحصول إلا على نحو ١، ٥ ٪ فقط من إجمالي عدد مقاعد البرلمان بسبب وضع أربعة شخصيات تركمانيه فقط على تلك القائمه العربيه. . إن الحق والمنطق يقودنا إلى القول بوجود مؤامره تقودها تلك القوى العربيه وبالتعاون مع الأكراد من أجل فرض سياسة التهميش والإقصاء على التركمان وحرمانهم من حصتهم العدديه المشروعه التى تناسب قوتهم العدديه وحقهم فى عرض قضاياهم وإقرار حقوقهم فى الدستور الجديد من خلال نواب تركمان لا (وكلاء عرب عن التركمان) فالشعب التركماني ليس قاصرا لينيب عنه غيره، بل أن الشعب التركماني يفوق أى مكون عراقى آخر فى نسبة التعليم والثقافه وقلة الأميه بين مواطنيه، والتركمان ليسوا فاقدي الأهليه ليتولى غيرهم تبني قضاياهم. إنه ومع الأسف الشديد يحلو للبعض أن يخلط الأوراق ويقلب الحقائق مع أن الأمور واضحه وضوح الشمس، وليست بحاجه إلى سفسطات كلاميه وشعارات فارغه ‘ فالعراق يتكون من قوميات شتى ومن حق كل قوميه أن يمثلها أبناؤها الأصلاء لا الغرباء الوكلاء، والتركمان من حقهم أن يحصلوا على حصتهم فى البرلمان الجديد التي تتناسب مع عدد نفوسهم لا أن يمثلهم " وكلاء عرب أو غير عرب " تحت زعم الوثوق فى دينهم وتقواهم وصدق دفاعهم عن التركمان وإلا كنا بذلك نحكم على الشعب التركماني بقلة الدين وعدم الإيمان مع أن المعروف أن التركمان من اكثر قوميات العراق تدينا وتمسكا بأهداب الدين. . إن على الذين يدعون الشعب التركماني للتصويت لقائمه عربيه أن يكونوا صادقين مع أنفسهم لأن الشعب التركماني لديه الأهليه الكامله لتمثيل نفسه وبه من الرجال والنساء المؤمنين والمؤمنات مايفوق أى مجتمع مسلم آخر، ومن أبسط حقوقه الإسلاميه والإنسانيه أن لايبخس حقه فى أن يمثله أبناؤه وأن يحصل على حصه فى مقاعد البرلمان تتناسب وعدد نفوسه وأن يمثله من هم أدرى بلغته وثقافته وعاداته وتقاليده وقضاياه. . فهذا هو الإسلام كما فهمناه، فلا تبخسوا الناس أشياءهم. . وهذا هوالذي يتفق مع قول المولى عز وجل: (وأقيموا الوزن بالقسط ولاتخسروا الميزان) وقوله تعالى (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم، إن فى ذلك لآيات للعالمين)" الروم /٢٢ ". . وليس من اليسير تجاوز هذا الإختلاف (اللساني القومي) بعد أن قرره المولى عز وجل وجعله تاليا فى المرتبه لخلق السموات والأرض ولكنهم مع الأسف الشديد يدعون لتجاوز هذا الإختلاف بغير دليل.
إن التعارف الذي ورد فى القرآن الكريم فى قوله تعالي: (ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) " الحجرات /١٣ " ورد فى التفاسير على أنه الإعتراف، فضلا عن المعرفه والتعرف. . أى يعترف البعض بحقوق الآخرين ويسلم بوجودهم، وهو يشترط وجود طرفين لا أن يلغى أحدهم وجود الآخر.
وإذا كانت النيابه عن الشعب هى وكاله شرعيه فإن إختيار الوكيل من أبناء الشعب هو الأدعى إلى الصواب خصوصا مع إختلاف اللغه لأن اللغه وكما أثبتت الدراسات الحديثه ليست مجرد ألفاظ وإنما هى حقيقه نفسيه وعقليه ومن ثم فمن الأولى أن يكون النائب ممن يفهم لغة الشعب ويتحلى بثقافته ويعرف عاداته وتقاليده وهمومه ومشاكله، أما الدعوه لإهدار الأصوات التركمانيه لغير التركمان لايكون إلا إذا كان معين الأمه التركمانيه قد نضب عن أن يجود بكفاءات مسلمه مؤمنه بربها وبقضايا شعبها.
إن على الشعب التركماني أن يأخذ العظه والعبره من البلدان المجاوره التي تبنت الإسلام دينا ومنهاجا ومع ذلك لم تغفل عن تعميق هويتها القوميه وخصوصيتها الثقافيه ومصالحها القوميه، وأضرب مثلا بالجمهوريه الإسلاميه الإيرانيه التى رغم تبنيها للإسلام كشريعه ومنهاجا ورفعها لشعارات الإخوه الإسلاميه لم تتورع عن التحالف مع أرمينيا (المسيحيه) ضد أذربيجان (الشقيقه المسلمه) ومع اليونان (المسيحيه) ضد تركيا (الشقيقه المسلمه)، واعانت الولايات المتحده الأمريكيه (المسيحيه) على غزو دوله إسلاميه شقيقه مجاوره (أفغانستان) وكل ذلك من أجل الدفاع عن مصالحها القوميه العليا.
كما انها وفى سبيل تعميق هويتها القوميه أحيت الإحتفال بعيد مجوسي يحرم الإحتفال به إسلاميا وهو (عيد النوروز) وتصر على أن تطلق على الخليج (العربي) إسم الخليج (الفارسي) إعتزازا بلغتها وهويتها القوميه.
وإذا كان هذا هو حال الأمم والشعوب العراقيه وغير العراقيه من الإعتزاز القومي فلماذا يصر نفر من التركمان على أن يحرم التركمان. . والتركمان فقط من حق تمثيل أنفسهم بأنفسهم مع أن هذا الحق وهبهم الله إياه وقررته لهم الشرائع السماويه والوضعيه وهو من أبسط الحقوق الإنسانيه؟!!!
ولماذا يصر هذا النفر على حرمان التركمان من التصويت لقوائمهم التركمانيه مع ان المجتمع التركماني لايخلو من مسلمين ومسلمات مؤمنين ومؤمنات لديهم الدرايه والفهم الكامل لطبيعة مجتمعهم ومشاكله؟
وايهما أولى بتمثيل المجتمع التركماني. . المسلمون المؤمنون التركمان الأصلاء؟ أم الحلفاء الوكلاء الغرباء؟
أعتقد أن هذا السؤال ليس بحاجه لأى إجابه. . وإن كنت أعتقد أن من واجبي أن اؤكد مرة أخرى لمن يتعمدون إهانة الشعب التركماني، مؤكدين على عدم اهليته لتمثيل نفسه. . أنه. . لايصلح دينا ومنطقا وعقلا أن يمثل التركمان إلا التركمان.