يبدو أن قدر الشعب التركماني أن يفقد خيرة رجالاته فى الأزمنة العصيبه والأوقات الصعبه، وبعد مسلسل طويل من الإغتيالات والموت العامض للعديد من الشخصيات التركمانيه منذ سقوط النظام، رحل فى صمت عالم فذ ورجل سياسه قدير سوف يترك رحيله فراغا كبيرا فى الساحه السياسيه والعلميه التركمانيه والعراقيه وأعنى به العلامه التركماني البروفسير أكرم باموقجي، الأستاذ الجامعي وعضو مجلس التركمان، وصاحب المؤلفات عن حضارة وتاريخ التركمان، ولم أكن أتصور عندما إلتقيته فى أنقره عدة مرات فى صيف يوليو / تموز لم أكن أتصور أن هذا اللقاء سيكون آخر لقاءاتي بهذا العالم الكبير الذى كان يفيض بالحيويه والنشاط، وعندما كنت أتحدث معه حول العراق والتركمان كنت ألمح فى عينيه وميضا من الفخر بإنتمائه الوطنى والقومي، وأرى فى إبتسامته الهادئه علامات الإطمئنان والإرتياح لما ينتظر الأجيال المقبله على أرض العراق من عداله وديموقراطيه ومساواة، لقد كان أكرم باموقجى طرازا من الرجال قل أن يوجد فى زماننا، وقد عودته سنوات الغربه أن يكفكف الجراح، ويدارى الآلام، ولايشعر مجالسيه بما يعاني من العلل والأحزان، ورغم مرضه المزمن الذى لازمه لسنوات طوال لم أشعر وأنا معه فى أى لحظه بمعاناته، ولم يبد ثمة ضجر أو شكوى من أى شيئ أصابه، بل كان دائما بشوشا ودودا يملؤه البشر وتكسو وجهه علامات السعاده، وأذكر أنه يوم أن تواعدنا ومعى زوجتى وبعض الأصدقاء على لقاء للعشاء فى أحد مطاعم أنقره القديمه فى حى القلعه، أن حضر فى المساء، وسهر معنا هاشا باشا مرحبا سعيدا، وعلمت فيما بعد أنه وقبل أن يحضر لنا بساعات قلائل أصيب نجله بإلتهاب الزائده الدوديه وتم نقله إلى المستشفى وإجراء جراحه عاجله له، ومع ذلك أصر على الحضور فى موعده وكأن شيئا لم يكن. وهكذا هؤلاء الفرسان التركمان العظام الذين تحملوا الكثير من المآسي والفظائع فى عهد النظام السابق بقلوب مؤمنه بقضاء الله وقدره دون أن يبدو أى شكوى أو ضجر لإيمانهم بأن الحق ولابد سينتصر فى نهاية الأمر، وكان أحد هؤلاء المرحوم أكرم باموقجى الذى إختار أن يرحل فى صمت فى غمرة إنشغال التركمان بالإنتخابات، وكأنه يريد أن يقول للتركمان.. لا تهتموا بالأشخاص فكلنا راحلون والمهم هو أن يبقى الشعب، وأن تنتصر قضية الوطن.
ورغم أن المرحوم أكرم باموقجي إختار الرحيل فى صمت إلا أنه سوف يظل فى وجداني ووجدان شعبه الوفى نبراسا ينير لنا الطريق، وسيظل شباب التركمان يستنيرون بوصاياه التى خطها لهم فى كتابه الموسوم " ياشباب التركمان " أبد الآبدين.
صبري طرابية