لسنا بحاجه إلى التذكير باهمية اللغه بصفة عامه فى حياة البشر، فاللغه هى الوعاء الأمثل للفكر والحائط الأخير للدفاع عن الهويه، وبدون اللغه لايمكن للإنسان تشكيل هويته الخاصه أو الدفاع عن تراثه الحضارى وموروثه الثقافي، فالإنسان يتعلم اللغه ليعيش ويتعلم حتى تغدو اللغه وسيله لحياته، وأداه لتعلمه وإدراكه، وقد أثبتت الدراسات الحديثه أن اللغه ليست مفردات تتلى وتتردد على الألسنه ولكنها حاله نفسيه وعقليه، ومرآه للتعبير عن الخصوصيات المختلفه للأقوام والمجتمعات.
واللغه التركمانيه هي إحدى اللغات الرئيسيه فى العراق لأنها لغة تركمان العراق الذين يشكلون القوميه الثالثه فى البلاد، ويربو عدد نفوسهم على ثلاثة ملايين مواطن، ومن ثم فلا يمكن الإستهانه بهذه اللغه أو بمن يتخذونها وسيله للتعبير والتخاطب، واللغه التركمانيه لها جذورها التاريخيه فى ارض الرافدين وهي من اللغات العراقيه الغنيه بالتراث ولهذا كانت تعد اللغه الرسميه الثانيه بعد العربيه عقب تأسيس الدوله العراقيه الحديثه، وكانت التركمانيه هي اللغه الرسميه الوحيده للمراسلات والتعاميم الحكوميه فى كركوك، وعندما صدر قانون اللغات المحليه الرقيم ١٧٤ فى عام ١٩٣١ إعتبر اللغتان التركمانيه والكرديه لغتان رسميتان فى المناطق التي يسكنها التركمان والأكراد، وفي التعهد الذي قدمه العراق لعصبة الأمم عام ١٩٣٢ إشاره واضحه إلى إعتبار اللغه التركمانيه والكرديه إلى جانب اللغه العربيه كلغات رسميه فى مناطق شمال العراق.
وقد ناضل التركمان فى العهد الجمهوري من أجل الإعتراف دستوريا بلغتهم القوميه كلغه رسميه إلى جانب العربيه واللغات القوميه الأخرى إلا أنهم لم يحصلوا إلا على الحقوق الثقافيه بالقرار رقم ٨٩ الصادر عن مجلس قيادة الثوره فى كانون الثاني ١٩٧٠ والذى صارت بموجبه اللغه التركمانيه هى لغة الدراسه للطلبه التركمان، وصارت جميع وسائل الإيضاح باللغه التركمانيه فى المدارس التركمانيه، وتم إستحداث مديريه للدراسه التركمانيه فى وزارة التربيه والتعليم، وتاسيس إتحاد للأدباء والشعراء التركمان، وإستحداث مديريه للدراسه التركمانيه ترتبط بوزارة الثقافه والإعلام، ونص القرار على إصدار صحيفه أسبوعيه ومجله شهريه باللغه التركمانيه، وزيادة البرامج باللغه التركمانيه فى تلفزيون كركوك، وتبددت آمال التركمان فى تضمين الدستور العراقي نصا يضمن لهم إعتبار اللغه التركمانيه لغة رسميه إلى جانب اللغات القوميه الأخرى إلا أنه ومع سقوط النظام فى التاسع من نيسان / أبريل ٢٠٠٣ تجددت الآمال لدي التركمان فى أن يتضمن الدستور المؤقت هذا النص الحاسم والصريح غير أنهم فوجئوا بصدور قانون إدارة الدوله العراقيه للمرحله الإنتقاليه فى ٨ آذار / مارس ٢٠٠٤ دون النص على إعتبار التركمانيه لغه رسميه للبلاد مع أن هذا الدستور الإنتقالي تضمن توجها جديدا بإعتباره للغه الكرديه لغة رسميه للعراق إلى جانب العربيه، ونصه على صدور الجريده الرسميه (الوقائع العراقيه) بهاتين اللغتين، وإعتبارهما – أي العربيه والكرديه - لغتا التخاطب فى المجالات الرسميه كالجمعيه الوطنيه، ومجلس الوزراء، والمحاكم، والمؤتمرات الرسميه، وإصدار كافة الوثائق الرسميه والأوراق النقديه وجوازات السفر والطوابع بهما، وهو ماكان يمكن إعتباره وبلا شك توجها محمودا لو تضمن النص أيضا على إعتبار اللغه التركمانيه وبقية اللغات القوميه الأخرى لغات رسميه للبلاد لا الإكتفاء بالنص على حقوق تلك القوميات بتعليم أبنائهم باللغة الأم، إن القوميات الأخرى وفى عهد الحريه والديمقراطيه الذى أشرق بنوره على العراق الجديد كانت تتطلع إلى مايضمن لها حقوقها الإنسانيه، ويعيد لها إعتبارها بحسبانها مكون أساسي من مكونات البلاد، وقد درجت الديموقراطيات الحديثه والدول التى تعيش على أراضيها أقوام مختلفه على إعتبار لغات شعوبها لغات رسميه للبلاد، وخير مثال على ذلك الفيدراليه السويسريه التى إعترفت بأربع لغات كلغات رسميه للبلاد ومن بينها لغة (الرومانش) والتى لايزيد عدد من يتحدثونها فى العالم على عشرة آلاف فرد، فكيف بالعراق الجديد أن يتجاهل اللغات الخاصه بملايين من مواطنيه كالتركمان والكلدوآشوريين والأرمن.
إن من الواجب على الجمعيه الوطنيه العراقيه المنتخبه أن تعيد الإعتبار للقوميات العراقيه بأن تضمن الدستور العراقي الدائم نصا يعتبر لغات جميع الأقوام العراقيه مهما صغرت لغات رسميه للبلاد، فالدوله التي لاتحترم آحاد مواطنيها لايمكن أن تحترم جموع الشعب، وعلى الكتله البرلمانيه التركمانيه أن تسعى جاهده من الآن لشرح وجهة نظر التركمان بهذا الخصوص، ومحاولة كسب ود الآخرين وتعاطفهم من أجل ضمان تقرير هذا الحق الدستوري الأصيل ضمن مواد الدستور الدائم للبلاد.
الثمن الفادح لتشكيل الحكومة العراقيه الجديدة
يسعى الدكتور إبراهيم الجعفري لأن تكون حكومته العراقيه الجديده حكومة وحده وطنيه بحيث تستوعب جميع أطياف الشعب العراقي فما فيها تلك الأطراف التى رفضت أن تشارك فى العمليه الإنتخابية، ويؤكد الدكتور الجعفري على رفضه للمحاصصه الطائفيه وللشروط المسبقه وخصوصا تلك الشروط التى تنطوي على مساس بسيادة العراق ووحدة أراضيه، وقد قام مرشح قائمة الإئتلاف العراقي الموحد لرئاسة الحكومه بعقد لقاءات مع مختلف القوى السياسيه العراقيه وسماع وجهات النظر المتباينه حول تشكيلة هذه الحكومه، وكان من بين من إلتقى بهم السيد الجعفري الزعامات الكرديه التى عرضت عليه شروطها للمشاركه فى الحكومه المقبله والتي تمثلت فى ضرورة جعل قانون إدارة الدوله العراقيه المؤقت (دستور برايمر) أساسا للدستور الدائم، وإعطاء الجانب الكردى تعهدات مكتوبه بمساعدتهم على إدراج مطالبهم فى الدستور الجديد، ومعالجة قضية كركوك وفقا لما تنص عليه الماده (٥٨/ ب) من قانون إدارة الدوله المؤقت، والموافقه على إلحاق كركوك بالمحافظات الكرديه الثلاث بعد طرد العرب منها، والإعتراف بالفدراليه القوميه للأكراد على أن أن ينص فى الدستور الدائم على كونها إتحاد إختيارى بين كيانات متمايزه، والإبقاء على قوات البشمركه على أن تكون وظيفة هذه القوات حماية الفيدرالية الكرديه فقط، وأن تدفع رواتب البشمركة من ميزانية الحكومه المركزيه لامن ميزانية حكومة الإقليم، وتخصيص ربع ميزانية الدوله للأكراد، وأن تكون رئاسة الدوله وثلاث وزارات سياديه هى الماليه والنفط والخارجيه للأكراد، وألا يحق للحكومه المركزيه تعيين أو نقل أو إقالة أى موظف أو مسئول فى المناطق الكرديه.
والواضح من أغلب الشروط الكرديه أنها متعسفه للغايه، إذ يبدو أن القاده الأكراد لديهم الرغبه فى إستغلال المكاسب الإنتخابيه التى تحققت لهم فى الإنتخابات الأخيره بحصولهم على نسبة ٢٥٪ من مجموع أعضاء الجمعيه الوطنيه، وحاجة الحكومه العراقيه الجديده لهم لأن قانون إداره الدوله العراقيه المؤقت يشترط فى الماده (٣٨) ضرورة موافقة ثلثى أعضاء الجمعيه العموميه على منح الثقه للحكومه الإنتقاليه المنتخبه، فراحوا يلعبون على هذا الوتر الحساس واضعين نصب أعينهم الموقف الصعب الذى تعانيه القائمه الفائزه وهي بصدد محاولة تشكيل هذه الحكومه جراء هذا الشرط العسير فقاموا بفرض شروطهم المشار إليها سلفا، ومع أن الغرض الأساسي من وراء إدراج هذا الشرط الصعب فى قانون إدارة الدوله المؤقت هو ضمان إشتراك شرائح واسعه من المجتمع العراقي فى تشكيل ألحكومه الإنتقاليه وبما يحفظ حقوق جميع العراقيين والحؤول دون إنقراد طيف عراقي بمفرده بتقرير مصير البلاد فى تلك المرحله الإنتقاليه، ولكن يبدو ان البعض يحاول إستغلال هذا النص فى تحقيق مكاسب شخصيه أنانيه على حساب مجموع الشعب وبما يضر بوحدة وسيادة العراق، ولا أعتقد بأن الإئتلاف العراقي وما يضمه الآن من كيانات وطنيه عديده يمكن ان يرضخ لهذه الشروط أو يوافق على دفع هذا الثمن الباهظ الذى من المحتم ان يقود البلاد للتفكك والإنحلال إذ كيف يقبل العراقيون بجعل دستور لم يكن لهم رأي فى تقريره أساسا لدستورهم الدائم الذى سوف تضعه جمعيه وطنيه منتخبه، وكيف لهم أن يوافقوا على فيدراليه عرقيه ينص فى الدستور الدائم على أنها قائمه على إتحاد إختيارى بما يعطي الطرف الآخر الحق دستوريا فى نقضها وقتما يشاء وهو الأمر الذي يمس بسيادة العراق ووحدة أراضيه، وكيف لهم أن يتنازلوا عن الهويه العراقيه لكركوك وطرد مواطنين عراقيين من منطقه تقع داخل حدود بلادهم، ولهذا رفض السيد الجعفرى الخوض فى تفاصيل هذه الشروط أثناء زيارته للمناطق الكرديه، فالسيد الجعفرى مناضل معروف وله آرائه الداعمه لوحدة العراق ومواقفه الثابته إزاء قضية كركوك، وله ثوابته الوطنيه التي لايمكن التنازل عنها.
والحقيقه أنه من الخساره ألا يشارك الأخوه الأكراد فى الحكومه العراقيه الجديده، إلا أنه أيضا من الخطأ إملاء الشروط التى تمس وحدة وسيادة البلاد، إن من حق كل مواطن كردى ان يعتلى أرفع المناصب فى العراق وان يضمن حقوقه فى المساواة والعداله بما فيها حقه فى الحصول على نصيبه فى ثروات البلاد وبصوره متوازنه شأنه فى ذلك شأن إخوانه من القوميات الأخرى، ولكن ليس بالطريقه التى تطرح الآن والتى تؤدى للمساس بحقوق شرائح أخرى من المجتمع العراقي عانت الأمرين من أجل عراق حر وديموقراطي وموحد، ولهذا ينبغي على القيادات الكرديه أن تسارع إلى تعديل مواقفها وأن تلحق بركب العمليه السياسيه وأن تحذوا حذو الآخرين الذين قرروا المشاركه فى الحكومه الجديده وفق أسس عامه تضمن لجميع العراقيين حقوقهم فى العيش الحر الكريم، وعليهم ألا يجعلوا من ملف كركوك سببا فى إثارة الشقاق والعداوه بين أبناء البلد الواحد وأصحاب المصير المشترك، فكركوك ملك لكل العراقيين وليست حكرا على أحد دون الآخر، وعلي القاده الأكراد النظر إلى المواقف الإيجابيه التى تبديها الأطراف الأخرى المعنيه بهذه المشكله كالتصريحات التى صدرت عن الدكتور فاروق عبدالله عبدالرحمن رئيس اللجنه التنفيذيه لجبهة تركمان العراق لجريدة الدستور والتى دعى فيها جميع شرائح المجتمع العراقي لوضع حل لهذه المشكله الشائكه وفق أسس ثلاث أولها: الحوار بحسن نيه، وثانيها: عدم فرض أمر واقع بالقوه، وثالثها: أن ينظر جميع العراقيين لكركوك نظره خاصه وإعتبارها نموذجا للتآخي القومي والحفاظ على إستقلاليتها وهويتها العراقيه، وتصريحات الأستاذ عباس البياتي الأمين العام للإتحاد الإسلامي لتركمان العراق الداعيه لإعتبار كركوك مدينه للتآخي القومي، ولا شك أن الأكراد الذين ينظر إليهم بعين الريبه من دول الجوار بحاجه إلى مزيد من التلاحم مع إخوانهم واشقائهم من القوميات الأخرى من اجل بناء عراق قوى ومتلاحم تتغلب فيه اللحمه الوطنيه على النزعه العرقيه، ولن يكون ذلك إلا بتخليهم عن تلك الشروط ومشاركتهم بفاعليه فى أول حكومه عراقيه منتخبه سوف يناط بها رسم صورة البلاد المستقبليه.