يعتبر شمال العراق قنبله موقوته قابله للإنفجار فى أى لحظه مالم تتسم تصرفات القيادات السياسيه لكافة القوميات فى المنطقه بالكياسه والحصافه فى التعامل مع النقاط التى تثير الحساسية هناك، وتعد قضية كركوك والفدراليه العرقيه والإنفصال من أهم القضايا التى تشغل بال جميع أبناء القوميات القاطنه شمال العراق وتبعث على القلق فى نفوسهم حول مستقبلهم ومستقبل المنطقه فيما لو ضمت كركوك لمناطق الأكراد أو ضغط الأكراد تجاه إقامة فيدراليه عرقيه أو ساعدتهم قوى معينه على الإنفصال، فشمال العراق ليس وطنا لقوميه واحده بل يسكنه العرب والتركمان والآشوريون إلى جانب الأكراد، وجميع تلك القوميات تعرضت لسياسة الصهر العرقي بصوره أو بأخرى من هذا الطرف أو ذاك، وخلال فتره وجيزه من الزمن تمكن الأكراد من قلب مناطق تركمانيه وعربيه وآشوريه إلى مناطق كرديه خالصه، فتم تحويل مدينة إربيل التركمانيه إلى مدينه كرديه بل وجعلها العاصمه الجديده لدولة البرزاني الكرديه، وإضطرت العديد من العائلات التركمانيه أمام المجازر الكرديه عام ١٩٥٩ إلى النزوح عن كركوك والإقامه فى أحياء بغداد كرابعه خاتون وغيرها، كما قام الأكراد بأكبر جريمة إباده عرقيه ضد الكلدو آشوريين فى سرسنك وبراورى بالا وشقلاوه جرى خلالها إجبار مئات الآلاف من الكلدو آشوريين على الهجره من ديارهم التى قام الكراد بالإستيلاء عليها وحولوا أهلها إلى أمه فى المنفى، وتعرض العرب بعد سقوط النظام إلى حمله إجراميه تكريديه تحت شعار (طرد المستوطنين العرب) تمكن الأكراد خلالها من طرد مايزيد على مائة ألف عربي ولاتزال محاولات التطهير العرقي ضدهم على أشدها فى كركوك وبقية مدن الشمال العراقي، ولايستطيع العربي العراقي التنقل بحريه فى مدن الشمال فضلا عن حرمانه من حق التملك هناك.
وفى الوقت الذى توحدت فيه جهود التركمان مع إخوانهم العرب فى صد تلك الهجمه التبعيثيه التكريديه فإن موقف الكلدو آشور يشوبه الكثير من الغموض، إذ لم يظهروا أى موقف موحد مع إخوانهم العرب والتركمان تجاه التصرفات العنصريه التى تستهدف الوجود القومي لجميع القوميات القاطنه شمال العراق، وقد تلاحظ أن بعض الشخصيات الكلدوآشوريه جرى تدجينها حتى صارت أبواقا للجهات الكرديه وكلما تعرض الآشوريين للقتل والإضطهاد خرجوا للعالم ينفون مايقع على بني جلدتهم من فظائع ومظالم، وبعضهم الآخر إستهوته المناصب والرواتب والمخصصات التي تغدق بها عليهم الحكومتين الكرديتين فأصبح شغله الشاغل هو الدفاع عن القوميه الكرديه لا الآشوريه، وبقى غالبية الآشوريين وقياداتهم الوطنيه الحقيقيه ومثقفيهم ممن يعانون التهميش والإقصاء رافضين مايجرى من تكريد وتدمير وقتل وإغتصاب لمدنهم التاريخيه، وكان غريبا حقا أن يتحالف الكلدوآشور الذين تتعرض مناطقهم لهجمات بربريه بشعه تستهدف إستئصال هذه القوميه من الوجود مع الأكراد فى أول إنتخابات جرت فى كركوك منتصف عام ٢٠٠٣ لإنتخاب محافظ للمدينه حيث صوت الآشوريون لصالح المرشح الكردى، وقد اثبتت تجربة الإنتخابات الأخيره وما جرى من منع وحرمان للمناطق الآشوريه من التصويت أن القوى العنصريه لاتميز بين عدو وصديق، وكان الأولى بالكلدو آشور أن يتحالفوا مع القوميات الأخرى المغبونة الحقوق والتى تواجه هى الأخرى نفس المصير، ولو عاد هؤلاء قليلا للوراء لوقفوا على مواقف مدهشه لتلك القوميه الأصيله عبرت من خلالها عن رفضها للعنصريه والتعصب العرقي وعن تضامنها مع القوميات المظلومه، وقد لايعلم الكثير من التركمان والكلدوآشور أنه اثناء مجزرة كركوك ١٩٥٩ عندما هجم الغوغاء الأكراد على منزل الشهيد التركماني زهير عزت جايجي صاحب مقهى (شاطر لو كازينوسي) إلتجأ إلى منزل جاره المسيحي الآشورى الذى دافع عن جاره ببساله منقطعة النظير الأمر الذي حدى بالأكراد إلى تمزيق جسديهما عن طريق ربطهما بسيارتين تسيران فى إتجاهين مختلفين، وبعدها قام الأكراد بحمل الأشلاء الممزقه إلى أربعة أجزاء وقاموا بتعليق نصف جثة الشهيد التركماني وإلى جوارها نصف جثة الشهيد الآشورى أمام دار قاسم النفطجي فى حين علقوا نصفيهما الآخرين على فرع شجرة نخل أمام الشبيبه الديمقراطيه بمحلة بكلر، وقد لايعلم الكثير من التركمان والآشوريين أن مذبحة التركمان فى آلتون كوبرو والتى سوف تحل ذكراها الرابعه عشر بعد ايام قلائل كان من بين ضحاياها (فرج بطرس هندي) وولديه وهم من مسيحيي قلعة كركوك وقد تمازجت دماءهم مع إخوانهم التركمان.
إن كركوك العراقيه ليست ملكا لقوميه بعينها، فهى مدينة العرب والتركمان والأكراد كما هى مدينة الآشوريين ايضا، وكما يتركز التركمان فى مناطق تسعين (تسين) وقوريه وعرفه وأحمد اغا وطريق بغداد، والأكراد فى حريه وشورجه واشكال ورحيم آوه وإمام قاسم، والعرب فى القادسيه الأولى والقادسيه الثانيه والنصر وحزيران وآذار والفاروق ودوميز والحويجه فإن الكلدوآشور يتركزون فى ألماس وتبه ومحافظه، وكان الكثير من الكلوآشوريين يسكنون القلعه مع إخوانهم التركمان ويشكلون جزءا رئيسيا من سكانها منذ زمن بعيد ولهم فيها كاتدرائيه كبيره ويتخذون اللغه التركمانيه لغة للحديث والصلاه وتحمل أسماء عائلاتهم ألقابا تركمانيه.
إن سياسة الإنزواء ودفن الرؤوس فى الرمال التى فرضها بعض الساسه الآشوريون على الشعب الاشورى فى هذه المرحله بزعم الحياد لايمكن أن تكون فى صالح القوميه الآشوريه التى ينبغي أن تسعى لإقرار حقوقها القوميه والدفاع عن مصالحها إزاء الهجمه الشرسه التى تستهدف وجودها ووجود جميع القوميات القاطنه شمال العراق بلا إستثناء، ومن ثم فعلى الآشوريين أن يمدوا أيديهم للتعاون مع العرب والتركمان والخيرين من الأكراد لوقف الممارسات الإجراميه التى تمارسها القوى التعصبيه وللحيلوله دون سقوط كركوك لأن سقوط كركوك سوف يكون إيذانا ببداية النهايه للقوميات الغير كرديه فى شمال العراق وبدايه لقيام دوله عنصريه قوامها عنصر واحد هو العرق الكردي.