العراق بين الاحتلال المستديم وبين الحرب الاهلية والتقسيم - ٢
الصورة الرابعة: المقاومة الوطنية العراقية.
تحدثنا في القسم الاول من هذا المقال عن الصور الاربع التي ترتسم في سماء العراق هذه الايام، فقلنا الصورة الاولى شديدة الوضوح والثانية بالغة التعقيد والثالثة مرعبة النتائج. وفيما يأتي من السطور نلقي نظرة فاحصة على الصورة الرابعة، وهي صورة المقاومة الوطنية العراقية. الصورة المشرقة الوحيدة في سماء العراق المدلهم.
أصيب المراقبون والمحللون العرب والاجانب بالدهشة والذهول والاستغراب من سرعة انطلاق المقاومة الوطنية العراقية بعد غزو أرض الرافدين، عندما انطلقت بعد شهر واحد وبضعة أيام من غزو وذبح بغداد العزيزة، وتحديدا بتاريخ ١٧أيار، مايو ٢٠٠٣. بل كان من المستغرب والمدهش حقا لو أن هذه الانطلاقة تأخرت أكثر من ذلك الوقت، بما هو معروف عن الشعب العراقي العريق من قوة الشكيمة والشعور العالي بالوطنية ورفض الاحتلال وحكم الاجنبي. وفي الحقيقة أن المقاومة العراقية هي أستمرار للمعارك التي بدأت منذ بدء العدوان الامريكي البريطاني على العراق ليلة ١٩ آذار، مارس ٢٠٠٣، ولم تتوقف المجابهة الساخنة لحظة واحدة، بل أن الذي حصل هو التحول من تكيتيك المصادمات الجبهوية والاحتكاك المباشرة بالعدو الى أستراتيجية حرب المدن و المقاومة بشتى الوسائل والاساليب المتاحة. ولو تمعنا في عمق التاريخ، لوجدنا ان هذه المقاومة، هي المقاومة الاسرع انطلاقا ضد المحتل الاجنبي خلال الثلاثمائة السنة الاخيرة من تاريخ البشرية.
ففي السطور القادمة سنعرج على أهم المنعطفات التي مرت عليها المقاومة وانجازاتها خلال عام وشهرين من أنطلاقتها. وهل هي مرشحة للاستمرار حتى تحرير كامل الوطن المحتل من براثن الامريكان والبريطانيين؟ أم أن قوى الاحتلال ستستخدم أساليب غير معروفة او مفاجئة للقضاء عليها؟ وما هو مستقبل المقاومة العراقية وتأثيرها على المنطقة والعالم؟
عندما أنطلقت المقاومة العراقية بعد شهر من غزو بغداد، كما ذكرنا، أدعى الرئيس بوش و وزير دفاعه، دونال رامسفيليد، ووزير خارجيته كولن باول وعدد كبير من المسؤولين الامريكيين والبريطانيين، بأن هؤلاء(أفراد المقاومة) ما هم ألا حفنة من العصابات والبلطجية والمجرمين الذين أطلق سراحهم الرئيس السابق من السجون قبل الحرب،وأكدوا على أنه لا تأثير لهم على الخطط الامريكية في العراق. ثم نعتوهم بعد ذلك بأنهم فلول الرئيس السابق صدام حسين وحزب البعث، و بعدها بثلاثة أشهر قالوا أنهم ليسوا عراقيين وانما متسللين من العرب والمسلمين الارهابيين، وبعد أن أسقط في أيديهم قالوا بأنهم (متمردون) وأستقروا على هذه التسمية مع الحاق صفة الارهابيين بهم بين حين وآخر. ليس بنا من حاجة لمحاججتهم في هذا المقام، ولانريد أن نرد لهم الكيل بكيل ونسألهم عن الصفات التي يطلقونها على المقاومة الفرنسية البطلة ضد الاحتلال النازي و المقاومة الجزائرية الباسلة ضد الاحتلال الفرنسي، وكذلك المقاومة الامريكية ضد الاحتلال الانكليزي لأمريكا، هل كانوا هؤلاء شرذمة من المتمردين والعصابات؟ أم أنهم كانوا ابطالا بذلوا انهارا من الدماء لتحرير اوطانهم؟ لانريد الدخول في هذه التفاصيل، فأن المقاومة العراقية، مقاومة وطنية مشروعة بموجب جميع القوانين الوضعية والسماوية، شائت أمريكا أم أبت، وأن شاء العالم والعرب أم أبوا، وسيأتي اليوم الذي يتسابق فيه الجميع الى الاعتراف بها كممثلة شرعية للعراق والعراقيين وبوادر هذا الاعتراف قد بان بفعل بسالة مقاتليها وصمودهم، وانتزعت اعترافا من الرئيس بوش نفسه عندما وصف المقاومين، في خطابه الاخير، بأنه ليس كل المقاومين ارهابيين وانه ليس هناك من يقبل أن يعيش تحت الاحتلال وهو نفسه لايرضى بذلك، وقبله وصف الرئيس بشار الاسد المقاومة العراقية مقاومة وطنية مشروعة. ولولا الخوف من امريكا وسطوتها لسارع العديد من دول العالم الاعتراف بها ولكن ذلك اليوم ليس ببعيد.
المنعطفات التي مرت بها المقاومة:
المنعطف الكبير الاول في مسار المقاومة العراقية كان في شهر أيلول، سبتمبر ٢٠٠٣ عندما صعدت المقاومة عملياتها في بغداد وقصفت فندق الرشيد في الوقت الذي كان يقيم فيه بول وولفووتز، نائب وزير الدفاع الامريكي، والذي خرج منه مذعورا بملابسه الداخلية مغادرا العراق في اليوم التالي ولم يعود اليه منذ ذلك اليوم. فأزاء هذا التصعيد في العمليات الهجومية، أدركت سلطات الاحتلال أنهم أمام مقاومة منظمة وشرسة، مما حدى بالعديد من القادة العسكريين والسياسيين الامريكيين، على حد سواء، الاعتراف، بان الهجمات التي ازدادت وتصاعدت وتيرتها كانت مقرونة بامكانيات كبيرة لدى المقاومين العراقيين، الامر الذي مكنهم ليس النيل فقط من الدبابات والاليات العسكرية الامريكية وانما طالت الطائرات المروحية وطائرات النقل، وكان ذلك كله مرتبطا بتنفيذ سلسلة من الهجمات المخطط لها بعناية فائقة والمؤثرة وبأستخدام الصواريخ الموجهة والقذائف الصاروخية التي كانت تستهدف المراكز الرئيسة والحساسة لسلطة الاحتلال الامريكي، مثل فندق الرشيد وفندق بغداد، مقـــر المخابرات المركزيــة (سي،آي،أيه) والمنطقة الخضراء، مقر سلطات الاحتلال، والتي من المفترض ان تكون هذه الاماكن الاكثر امنا وامانا بحيث لاتطالها الهجمات.
لقد أعترف معظم القادة والمحللين الامريكان، بأن الهجمات التي تتعرض لها قواتهم وقوات الاحتلال الاخرى، والتي تغطي معظم انحاء العراق تزداد جرأةً وتطورا وتنظيما يوما بعد يوم رغم كل عمليات المداهمة والتمشيط واستخدام القوة المفرطة ضدها للحد من هجماتها،وقامت بتجنيد ألالاف من المخبرين المحليين والعرب والاجانب لأكتشاف مخابىْ المقاومين وأماكن أنطلاقهم. وكما هو معروف فأن حرب العصابات تعتمد على تكتيكات واساليب تتغيير مع ظروف ومتطابات المعركة. وعلى هذا الاساس فأن المقاومة عمدت، في كل هجوم، الى تغيير اساليبها وتكتيكاتها وعدم الاعتماد على الاساليب التقليدية التي باتت مكشوفة ومعروفة لدى قوات الاحتلال. ففي كل مرة كان المجاهدون يظهرون كفاءات عالية في استخدام وسائل غير معروفة أو مسبوقة، لمفاجئة لقوات الاحتلال ودب الذعر في صفوفها، كأستخدام الكلاب المفخخة والحيوانات الملغومة وأستخدام مصائد المغفلين، حسب التعبير العسكري، الى جانب السيارات الملغومة او نقل راجمات الصواريخ على عربات النفط يجرها حمار كما حدث عند قصف مقر وزارة النفط العراقية. وكذلك استخدام العبوات الناسفة التي تزرع على جوانب الطرق والشوارع التي يعد اكثر الاساليب المستخدمة فتكا بقوات الاحتلال.وبالاضافة الى كل ذلك نجحت المقاومة العراقية في زرع عناصر أستخبارية تابعة لها في جميع المرافق الحيوية التي تسيطر عليها قوات الاحتلال لمتابعة تحركات قواتها والمسؤولين في مجلس الحكم المنحل او المسؤولين المعينين من قبل سلطات الاحتلال.وباختصار فان أبطال المقاومة باتوا يتحركون كالاشباح، يظهرون فجأةً ويختفون فجأةً بعد تنفيذ العملية، ولم تستطع قوات الاحتلال الى الان من القاء القبض أو قتل أثنان بالمئة من الذين نفذوا وينفذون العمليات والتي قدرتها مصادر قوات الاحتلال والناطق الرسمي باسمها الجنرال كميت بأن المقاومين ينفذون ٢٥-٣۰ عملية يوميا وحولت العراق الى ساحة حرب حقيقية.
كان من نتائج هذا المنعطف في عمليات المقاومة،، بعد ان ادركت الادارة الامريكية بان مأزقها بدأ يتسع في العراق، وأن شبح عقدة فيتنام بدأ يطل برأسه، هو لجوئها مضطرةً لا أختياراً أو رغبة، الى أتخاذ القرار بتسليم السلطة الى العراقيين في الثلاثين من حزيران، يونيو٢٠٠٤. فقام جلال الطالباني، بتاريخ ۱٥، نوفمبر٢۰۰٣ بالتوقيع على الاتفاق المشهور بين مجلس الحكم ورئيس سلطة الاحتلال في بغداد السفير بريمر.
الانعطاف الكبير الثاني حدث مع اندلاع ثورة الفلوجة الباسلة و انتفاضة السيد مقتدى الصدر. التي افرزت نتائج بالغة الاهمية، مما جعل التفكير السياسي الامريكي يتغير جذريا وبدأت تعيد النظر في سياساتها الخاطئة منذ اليوم الاول لغزوها. فأدركت أمريكا أن أستمرار بقائها كقوة أحتلال ليس من مصلحتها، لانه يعني المزيد من الخسائر البشرية، فالمقاومة تزداد قوة وتنظيما وشراسة وأصبحت مزيجا من السنة والشيعة وجماعات اسلامية وقومية ويسارية، وأن استمرارها على نفس نهجها، سيجعل العراق امام انتفاضة شاملة. فسارعت تستنجد بالامم المتحدة والعالم لانقاذها من ورطتها في بلاد العباسيين.
فعن ثورة الفلوجة، كتب مراسل صحيفة التايمز اللندنية في العراق قائلا: أن قوات الاحتلال الامريكي لم تواجه مثل هذه المقاومة حتى اثناء اجتياحا العراق منذ عام..مبينا حالة الحزن والبكاء التي تنتاب الجنود الامريكيين على قتلاهم في المدينة التي فقدت بدورها مئات القتلى والجرحى من المواطنين العراقيين. كما أعترف أحد قادة قوات المارينز، الذي حاصرت قواته الفلوجة، بأن المقاومة في مدينة الفلوجة العراقية أشرس من أية مقاومة واجهها الجيش الامريكي في حرب فيتنام بالرغم من لجوء قواته لأعنف الاساليب العسكرية وأكثرها فتكا. من ناحية أخرى أعلنت شبكة (سي.أن.أن) الاخبارية الامريكية (أنه بعد مرور عام على سقوط العاصمة العراقية بغداد في يد القوات الامريكية انتقل سلاح الهجوم من أيدي قوات التحالف الى ايدي (المتمردين) المقاومة العراقية. وأضافت الشبكة في تعليق لها ان ما تزخر به ضواحي العاصمة بغداد خلال هذه الايام من سيارات عسكرية أمريكية محترقة وما تواجهها القوات الامريكية من مقاومة ضارية في مدينة الفلوجة تعد أقوى مثال على حدوث هذا التحول الكبير).
ثورة الفلوجة وانتفاضة الشاب مقتدى الصدر لم ينل حقها من التحليل والدراسة بشكل معمق وتأثيرهما على مجمل الخطط الامريكية. وقد تم التعتيم على نتائجها الكارثية على الجيش الامريكى، بعد تسريب صور التعذيب الهمجي للمعتقلين العراقيين في سجن أبي غريب، بل ان امريكا ادركت ان النتائج التي تمخضت عن ثورة الفلوجة أكبر من ان تتحملها سياسيا، لذلك عمدت الى افتعال أزمة ثم أدارتها، وهكذا تم تسريب الصور، لأن النتاج السياسية لفضيحة سجن أبي غريب، يمكن احتوائها بمرور الوقت وتقديم حفنة من الجنود ككبش فداء زأظهار نفسها بأنها بلد ديمقراطي تتعامل مع ما لها وما عليها، ثم تهدأ العاصفة. ولكن نتائج ثورة الفلوجة كارثية. وبهذا الصدد قال اماتيزا بارام، اخصائي اسرائيلي في الشؤون العراقية لمجلة نيوزويك في ١٢/٤/٢۰۰٤ ان (أمريكا فقدت شرفها في الفلوجة، ينبغي عليها استعادة هذا الشرف). وهذه الثورة أجبرت السيد طوني بلير الى القول انها معركة تاريخية ويقر الرئيس بوش بأنها كانت أياما صعبة.
لقد تكبدت القوات الامريكية خسائر جسيمة في معارك الفلوجة، لم يكشف عنها الى الان. ولننظر الى اسباب عدم كشفها وحجم الخسائر التي منيت بها.
يتواجد في العراق الان أكثر من ٢٠٠ الف جندي ومرتزق (جنود المقاولين ويبلغ عددهم 35 الفا وتقدرهم مصادر اخرى بنحو ٤۰ الفا) وهؤلاء يتمتعون بالحصانة القضائية والحصانة ضد الجرائم التي يرتكبونها في العراق، ولهذا السبب لم يتهم أحد منهم بأقتراف جريمة التعذيب ضد المعتقلين العراقيين في سجن أبي غريب، بالرغم من الاشارة اليهم في تقرير الجنرال تاغوبا وأعتراف بعض المسؤولين الامريكان بممارستهم لهذه الجرائم. كما يتواجد الى جانب ما تقدم، ١٨ الفا من عناصر المخابرات المركزية والمخابرات العسكرية ومكتب التحقيقات الفدرالية وعناصر المخابرات البريطانية والايطالية والبولندية...الخ. الى جانب عشرات الالاف من القطاعات الخدمية المساندة للجهد العسكري. ومن بين ١٣٥ الف جندي وضابط امريكي هناك بحدود ٣٥ الف جندي غير امريكي، من اللاجئين من دول امريكا اللاتينية الذين يطمحون في الحصول على الجنسية الامريكية، وقد تعاقدت معهم وزارة الدفاع الامريكية من اجل الخدمة في العراق لقاء مبلغ١٠٠ الف دولار صافي، ووعدتهم بمنحهم الجنسية الامريكية في حالة رجوعهم احياء الى امريكا او تمنح الجنسية الى ذويهم. وهؤلاء والمرتزقة (الجنود المقاولون) عندما يقتلون في العراق لايحسبون ضمن القتلى الامريكان ولا تلف نعوشهم بالاعلام الامريكية ويدفن اغلبهم في صحراء العراق قرب منطقة القائم وفي مناطق أخرى وثقتها المقاومة العراقية. وقد نشر موقع (عراق فور اول) صورا عن مقابرهم الجماعية وجثث الجنود في أكياس البلاستيك الاسود لمدة ساعتين قبل اسبوعين الا انه عاد ورفعها من الموقع. وقد اشار الكاتب روبرت فيسك في احد مقالاته الى ان ٨٠ من الجنود المقاولين قد قتلوا في الفلوجة،اعترف مارك كميت ب٧٠ منهم. ويقدر بعض المصادر عدد قتلى الامريكان في الفوجة بـ ١٣٠٠ قتيل.
لقد ارتكبت امريكا في الفلوجة جريمة حرب بكل اركانه، وخرقت اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين في اوقات الحرب فقتلت، نقلا عن أحد مؤيديها، الذين ارسلتهم للتفاوض مع أهالي الفلوجة، وهو الدكتور عبد المنعم صالح العزي، كبير مستشاري الحزب الاسلامي وممثلا عن الدكتور محسن عبد الحميد عضو مجلس الحكم المنحل: فقال: ان ما تمارسه امريكا ضد اهالي الفلوجة انتقام واستفزاز وليس ردود افعال التي يمكن فهمها او التعاطي معها. وأضاف ان قوات الاحتلال قتلت في الفلوجة ٦٥ طفلا دون الخامسة من العمر و١٤٠ طفلا دون الخامسة عشرة و٥١٣ شخصا اغلبهم من النساء والشيوخ وجرحت ١٢٦۰ شخصا بعضهم اصاباتهم خطيرة وشردت ٥۰ ألف عائلة، وندد بالمنطق الامريكي الذي يقارن اطلاق النار بالرشاشات الخفيفة بقصف مقاتلات اف ١٦ ومروحيات الاباتشي، ان هذا منطق استئصالي يشوه صورة الامريكيين القبيحة أصلا وجذرا وامتدادا. هذه هي جريمة الحرب التي ارتكبتها امريكا في الفلوجة الباسلة، وما يماثلها في مدينة الصدر والنجف الاشرف والكوفة والكربلاء. ومع كل الذي حصل لم تستطع قواتها من الدخول الى أي من هذه المدن الباسلة، بل أستنجدت بأيران وسوريا لأنقاذها من هذا المأزق الذي ورطت نفسها فيه، وأخيرا اضطرت الى اللجوء الى أحد جنرالات العهد السابق فأنقذهم خلال ساعات قليلة وأعاد الهدوء والسكينة الى مدينة الفلوجة في حين فشلت جميع وساطات اعضاء مجلس الحكم المنحل، وشاهدنا على شاشات التلفزة كيف ارتسمت البشر والحبور على وجوه الجنود الامريكان وهم ينسحبون مدحورين من اطراف الفلوجة.
أن الارادة عندما يمتزج بالايمان الصادق لايمكن الا ان ينتصر. وهكذا انتصرت الفلوجة وحفرت اسمها عميقا في التاريخ كواحدة من المدن التي الحقت الهزيمة بأقوى جيش في العالم ومرغت انفها في التراب وفقدت شرفها العسكري فيها كما ذكر أماتيزا بارام.
ولابد لنا هنا من وقفة نظنها مهمة جدا، لدلالاتها واحتمالاتها المستقبلية على العراق والمنطقة، مع تصاعد أعمال المقاومة.
فأذا تصاعدت وتيرة العمليات العسكرية للمقاومة، بعد الثلاثين من حزيران، يونيو أي بعد التسليم الشكلي للسلطة الى العراقيين، فهل تلجأ الولايات المتحدة الى استخدام القوة المفرطة في عملياتها العسكرية بغية القضاء عليها؟ هناك مؤشران قويان بأنها ستلجأ الى ذلك. المؤشر الاول، خطير للغاية، ولم يأخذ نصيبه في وسائل الاعلام والتحليلات السياسية والعسكرية، بعد معارك الفلوجة، وهو أن الامريكان، بعد الذي جرى في الفلوجة، اسقط في ايديهم من جراء صمود أهل الفلوجة وقتالهم الشرس، تحققوا من الهزيمة المخزية، وتأكدوا منها بمرور الايام حتى باتت امراً مسلما به عند جنودهم وبين قادتهم، هرعوا الى مجلس الحكم الانتقالي، فأبلغوا الدكتور محسن عبد الحميد رئيس الحزب الاسلامي وعضو المجلس (بأعتباره احد ممثلي السنة في المجلس، وهو كردي الا انه احتسب على السنة العرب)، فأبلغوه ما يعظم في صدره من قوتهم وبطشهم وعزيمتهم، وقال لأعضاء حزبه: أن كارثة محققة سوف تحل بالفلوجة وانها ستحترق عن بكرة ابيها. وأفصح لهم بما أبلغه اياه الامريكان وقال: (لقد أخبرني الامريكان انهم مستعدون الان لضرب الفلوجة بالقنبلة النووية!! و أن الرئيس بوش قد فوضهم بذلك ولديهم الاستعداد لتنفيذه الان، والوقت أمامكم ينفذ فأذهبوا الى الفلوجة وأبلغوهم بذلك!!!). فلو رجعنا الى تصريحات الجنرال كميت ودان سنيور الناطق الرسمي بأسم سلطة الاحتلال، لوجدنا انهما كانا يؤكدان خلال معارك الفلوجة على ان الوقت ينفذ ويؤكدون عليه بالضغط على الكلمات. هذه الرسالة الخطيرة يجب على الدكتور محسن عبد الحميد، أن يعلنها على الشعب العراقي والعالم من دون لبس او تحريف ليكونوا على بينة لما يخططه الامريكان ضد الشعب العراقي في المستقبل أذا أصر على حقه المشروع في المقاومة وتحرير وطنهم من نيرها وطغيانها.
أما المؤشر الثاني وهو ما كشفه دبلوماسي بريطاني لأحدى الصحف الخليجية في ٢٩/٥/٢٠٠٤ من أن بريطانيا والولايات المتحدة، سوف تواجهان اي تداعيات قد تنجم عن تسليم السلطة الى العراقيين في نهاية شهر حزيران يونيو، بشن عمليات جوية واسعة النطاق على المدن المارقة التي ينطلق منها ارهابيون من فلول البعث السابق ومن مقاتلين اسلاميين قدموا من الخارج، وأضاف الدبلوماسي البريطاني قائلا أن الحكومة البريطانية طلبت من تركيا اعادة سربين من مقاتلات تورنيدو الجوية الى قاعدة انجرليك التركية القريبة من الحدود العراقية، وأن اسرابا من المقاتلات الامريكية سترابط خلال الاسبوعين القادمين في كل من الاردن والكويت، وان الاعتماد المقبل في العمليات العسكرية سيكون على سلاحي الجو والصواريخ، وذكر ايضا’’ ان مايمكن ان تكون حربا متسعة وشاملة للقضاء على المقاومة قضاءً تاما.
نعم أمريكا تستطيع استخدام القوة المفرطة والغاشمة ضد المقاومة العراقية وتستطيع ايضا استخدام القنابل النووية التكتيكية، ولكن السؤال الملحاح هو، هل تستطيع تحمل النتائج السياسية والاخلاقية والانسانية لمثل هذا العمل الاجرامي أذا نفذته؟؟ وهل تستطيع أقتلاع الايمان الذي يتجذر يوما بعد يوم في قلوب المقاومين وابناء الشعب العراقي بضرورة تحرير وطنهم المغتصب. كلا أنها لاتستطيع، والدليل على ذلك انها لم تستطع القضاء على المقاومة الفيتنامية بالرغم من استخدامها جميع انواع الاسلحة التي كانت بحوزتها حينذاك. أن دروس التاريخ يعلمنا استحالة القضاء على اية مقاومة تحررية، وان النصر دائما كان حليف المقاومة، أما الاندحار والخذلان كان دوما من نصيب الغزات والمحتلين، أبتداءً من المقاومة الامريكية ضد الاحتلال الانكليزي مرورا بالمقاومة الفرنسية البطلة وحرب التحرير الجزائرية الباسلة، مرورا بفيتنام وانتهاءً بالثورة الفلسطينية المجاهدة، غرة حركات التحرر على جبين التاريخ.
أما بالنسبة لأنتفاضة المجاهد مقتدى الصدر، فأنها حققت أنجازين كبيرين.
الاول: أنها أنهت اللعبة الطائفية التي راهن عليها الأمريكان، وعملت على تكريسها من أجل شق صفوف العراقيين، وتمزيق جهودهم، وإنهاكهم في مماحكات طائفية تذهب بريحهم جميعاً وتجعلهم في حاجة مّاسة مصيرية للرضي والدعم الأمريكي.
والثاني: فضح وتهميش، الاحزاب والجهات والحوزات الشيعية التي هادنت الامريكان، بغرض تحقيق مكاسب سياسية. وأظهرت للعلم أجمع بأن الشيعة في العراق لايمكن لهم الخروج من تاريخ العراق وتلحق بهم وصمة عار الخنوع للمحتلين. وأنهم جزء أصيل من الشعب العراقي العريق. وبهذا العمل البطولي تحول المجاهد مقتدى الصدر الى مرجعية جهادية لشباب العراق على مختلف أنتمائاتهم المذهبية والطائفية، مما دفعهم لرفع شعار، له دلالاته العميقة، (سنة وشيعة هذا الوطن ما نبيعة). وتسيير قوافل المساعدات الى أهالي الفلوجة شارك فيها مختلف شرائح الشعب العراقي وكذلك تسيير قوافل مماثلة نظمها السنة من أهالي الفلوجة وقدموها الى المجاهد مقتدى الصدر في النجف الاشرف تعبيرا عن تضامنهم مع انتفاضته المباركة. ولم يبقى للمجاهد الصدر ألا ان يرسم طريقه التحرير مع المقاومة الوطنية كجزء أساسي من جهد التحرير. ومن ناحية أخرى لقد ضرب أفراد الجيش العراقي والشرطة العراقية الجديدة مثالا وطنيا رائعاً عندما رفضوا الانصياع الى أوامر قوات الاحتلال بقتال أهالي الفلوجة وتركوا سلاحهم وملابسهم وهجروا الخدمة أو انضم قسم منهم الى المقاومة، ومن المهم ان نذكر هنا أن غالبية أفراد الجيش والشرطة التي شكلها الامريكان هم من شباب الشيعة. فأن دل هذا على شيء فأنما يدل، بشكل لالبس فيه، على أن الشعور الوطني لدى العراقيين أقوى من شعورهم الطائفي والعرقي. ولايسمو عندهم شيء على سمو الوطن.
وهكذا غدت المقاومة العراقية الرقم الصعب في المعادلة العراقية، بل أكثر العناصر تأثيرا على برامج وخطط المحتلين، فهل اللجوء الى الحلول العسكرية وأستخدام القوة المفرطة للقضاء عليها وأجتثاثها، وخاصة بعد أن أمتدت لتشمل العراق من أقصاه الى أقصاه تقضي على جذوة المقاومة؟.. يجيب التاريخ على ذلك بالقول، أن الحلول العسكرية في مثل هذه الحالات غير مجدية. ويؤكد على أن الشعوب عندما تثور وتحمل السلاح لتحرير وطنها وأستعادة حريتها وسيادتها، فأن الحلول العسكرية تعقد الموقف ولا تقدم حلولا ناجعة، بل تسرع في الحاق الهزيمة بالمحتلين وأندحارهم. ويؤكد ماذهبنا اليه تقرير مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن الذي نشر في 8 آيار، مايو الماضي، جاء فيه: أن الولايات المتحدة لم تعد تمتلك حلا عسكريا ناجعا وقابلا للحياة في العراق. وذهب أنتوني كوردسمان، المحلل العسكري المعروف والمشرف على التقرير، الى القول: أن أي حل عسكري أمريكي سوف ينتج عنه عدد هائل من الضحايا المدنيين واضرار مادية جسيمة وسيفشل في الوقت ذاته في وضع حد للتمرد الشيعي- السني. وأستطرد التقرير، أن الولايات المتحدة تستطيع بالتأكيد هزيمة العراقيين، ألا أن أي حل عسكري على الارجح سيكون نوعا من النصر الذي سيتسبب بعاصفة حول أستخدام القوة المفرطة والضحايا المدنيين والاضرار المترتبة عليه. وحذر من محاولات أغتيال مقتدى الصدر لأن هذه الخطوة ستدفع الشيعة الى عقد التحالف مع المتمردين السنة، ما سيخلق حالة عامة من المقاومة في البلاد.
النتائج التي حصدتها المقاومة.
من النتائج المهمة التي حصدتها المقاومة الى الان، هي نجاحها في توسيع المأزق الامريكي في العراق، وأسقاط مشروعها الامبراطوري للهيمنة على المنطقة والعالم، وكذلك نجحت في بذر الشكوك في نفوس القادة السياسين الامريكان ومحلليهم، بأنهم باتوا على شفى هزيمة سياسية وعسكرية في العراق وان شبح حرب فيتنام بدأ يطل برأسه. الامر الذي جعلهم يفكرون بأستراتيجية الخروج والانسحاب من العراق. ففي هذا الصدد قالت صحيفة التايمز البريطانية، إن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تدرسان خطة لسحب قواتهما من العراق بأقصى سرعة فيما نقلت عن مسؤول بريطاني قوله: “لن نقوم بعملية كر وفر ولكن الهدف هو أن يكون لدينا استراتيجية تمكن العراقيين من السيطرة بأقصى سرعة على البلاد وتسمح لنا بالرحيل سريعا بقدر الإمكان”.
أما مجلة “نيوزويك” الأمريكية، فذهبت الى أبعد من ذلك، فتحدثت، في عددها الصادر في 24 آيار، مايو، عن استراتيجية الخروج صراحة، (وهي كلمة مرادفة للانسحاب او الهروب) وحديث الخروج هنا أتى على لسان جون كيري المرشح الديمقراطي للرئاسة، حين قال: كيف نستطيع الخروج من العراق؟ كيف نصلح الضرر الذي لحق بصورتنا من جراء تلك الصور في سجن “أبوغريب”؟ تساؤلات عرضها كيري في الخطاب الطويل الذي عرض فيه استراتيجيته حول العراق قبل أسبوعين.
فما الذي حصل على أرض الرافدين، خلال عام واحد من الاحتلال، لكي يسعى المسؤولون الامريكيون، إلى البحث عن طرق خروجهم ونجاتهم من العراق، لكنهم يعلمون أنه خروج محفوف بمخاطر جسيمة، من بين تلك المخاطر الاخفاق السياسي التام للمشروع الامبراطوري الامريكي، وخطتها لأعادة تشكيل خارطة الشرق الاوسط، وأقامة الشرق الاوسط الكبير.
نحن نعتقد بأن ملامح التفكير بالخروج والاسراع بتسليم السلطة الى العراقيين وتقديم موعد الانتخابات، تشكلت أبان ثورة الفلوجة وصمودها الاسطوري أمام أعتى قوة عسكرية في العالم ولمدة ثلاثة أسابيع من الحصار واستخدام القوة المفرطة والاسلحة الفتاكة دون جدوى، وقبولها التفاوض مع المقاتلين من دون شروط وانسحابها المشين بعد أن كبدتها مجاهدوا المقاومة خسائر جسيمة في الارواح والمعدات التي لم يعلن عنها سوى خمسة بالمائة مما تكبدتها. في أشرس مقاومة واجهها الجيش الامريكي بالرغم من لجوئها لأعنف الاساليب العسكرية وأكثرها فتكا.الامر الذي أجبر الرئيس الأمريكي جورج بوش نفسه بالاعتراف ان الأسابيع الأخيرة هي الأكثر صعوبة بالنسبة لأمريكا في العراق، فبدءا من مقتل أكثر من مائة جندي أمريكي في الاشتباكات مع الميليشيات المسلحة سواء السنية أو الشيعية مرورا باختطاف عشرات الأجانب وصولا إلى اغتيال رئيس مجلس الحكم الانتقالي عز الدين سليم كل ذلك جعل الطرق مسدودة أمامها في العراق. مما دفع الدول المشاركة للولايات المتحدة عملياتها في العراق إلى القول انه حان وقت الانسحاب.
وهنا يرى مورتون آن اموفيتز من صحيفة “نيويورك تايمز” انه على الرغم من أن البقاء في العراق وتحقيق الأهداف التي وضعتها الإدارة الأمريكية هناك يعد أفضل كثيرا من الانسحاب منه بفشل تترتب عليه عواقب وخيمة كما أن إقامة عراق مسالم وديمقراطي هو هدف غال يستحق بذل كل جهد ممكن، إلا أن الموقف الراهن في الأراضي العراقية والذي يتسم بالتعقيد مضافا إليه التضاؤل المستمر في قدراتنا على التأثير في الأحداث هناك يدفعنا إلى العمل على إعادة تقييم الوضع بشكل واقعي ومتزن.
لاشك هنا أن قوات الاحتلال في العراق يعيش حاليا أسوا أيامه من جهة المقاومة المسلحة التي أفقدت الإدارة الأمريكية صوابها وجعلتها تفتح على نفسها أبوابا ربما لا تستطيع إغلاقها خصوصا في ظل التصعيد ضد انتفاضة الشاب مقتدى الصدر وتصاعد وتيرة المطالبة بأنهاء الاحتلال وتزايد كراهية الشعب العراقي للامريكان بعد انفجار فضيحة تعذيب واهانة المعتقلين العراقيين في سجن ابي غريب. ان القوات الأمريكية وقعت في براثن المقاومة وتتكبد خسائر فادحة، فلولا التعتيم الاعلامي لحجم الخسائر الامريكية في العراق من جهة الارواح والمعدات، لتعالت صرخات الشعب الامريكي للمطالبة بالانسحاب من المستنقع الذي ورطت امريكا نفسها فيه اليوم قبل الغد.
ورغم نجاح الادارة الامريكية في كبح جماح وسائل الاعلام الامريكي، ألا أن هذه الوسائل استطاعت، أحتراما منها لمهنيتها، الافلات من قبضة الادارة وبدأت تصف الحرب في العراق بأنه خنجر قاتل في ظهر الاقتصاد الأمريكي كما ذكرت صحيفة ال “واشنطن بوست” الأمريكية وبدأت التحليلات السياسية وكتاب الاعمدة المشهورين أمثال توماس فريدمان يعيدون النظر في مواقفهم السابقة من الحرب والمشروع الامريكي برمته.
ماذا يتبقى إذن من الضغوط التي يمكن أن تجبر الإدارة الأمريكية على التفكير على الأقل في الانسحاب دون إحداثه على الأرض بالفعل؟
في تقديرينا ان الادارة الامريكية ستمارس ضغوطا شديدة على الحكومات، وخاصة العربية والاسلامية، بعد أعتماد مشروع القرار، في مجلس الامن، لكي تشارك قواتها في التحالف، الذي سيتغير اسمه الى قوات متعددة الجنسيات. لتمسك الارض نيابة عنها وتدفعها للمواجهة مع قوات المقاومة العراقية بدلا عنها، ففي هذه الحالة اما ستسحب جزءاً من قواتها من العراق أو تنسحب الى داخل القواعد العسكرية المحصنة وتترك الجنود العربية والاسلامية تواجه الموت ويضحي العرب والمسلمون ابنائهم قرابين على مذبح المشروع الامريكي من أجل أذلال العرب والمسلمين. أما الدول الاوربية فأنها تحت وطأة زلزال فضائح التعذيب في سجن أبي غريب والسجون الامريكية الاخرى في العراق. فأنها ربما ستمتنع من المشاركة في هذه القوات، وخاصة ألمانيا وفرنسا، أما بقية الدول الاوروبية فأن برلماناتها ووسائل اعلامها تمارس ضغوطا شديدة وأستجوابات مضنية لرؤساء وزاراتها والانتقادات اللاذعة حول الانتهاكات التي تمارسها قوات الاحتلال في العراق وتدهور الأوضاع الأمنية فيه.
لانغالي في القول، ان المقاومة العراقية نجحت نجاحا باهرا على صعيد الكفاح المسلح، ويلزمها الان العمل الجاد على صعيد الكفاح السياسي لكسب الرأي العام العالمي والاعتراف الرسمي بها كمقاومة وطنية مشروعة ضد الاحتلال الاجنبي، وأن الفرص الان متاحة للقيام بهذا العمل الكبير من خلال المشاركة الفاعلة في مؤتمر وطني عراقي عام، يشارك فيه جميع الفعاليات والاطياف السياسية والاجتماعية والعشائرية لوضع استراتيجة واضحة المعالم والاسس المتينة والعملية لبناء مجتمع تعددي ديمقراطي يحترم حقوق الانسان والاقليات في عراق موحد حر مستقل.
بتقديرنا ان هذا الهدف الكبير لايتحقق بكرم وسخاء من سلطات الاحتلال، وانما من خلال نضال شاق وطويل وتضحيات جسيمة. فينبغي لتحقيقه ان تتصاعد وتيرة المقاومة على خطين متوازيين، الاول المقاومة السلمية، ومحاربتهم بسلاحهم، أي بسلاح الديمقراطية، وذلك من خلال تنظيم الاعتصامات والاضرابات والمسيرات السلمية والاحتجاجات المدنية وتفعيل لجان حقوق الانسان والمنظمات النسائية للاشتراك في الاجتماعات والمؤتمرات الدولية ذات الصلة لأيصال صوت العراق وشعبه الى هذه المحافل وفضح انتهاكات قوات الاحتلال. والثاني خط استمرارالمقاومة المسلحة ضد قوات الاحتلال مهما كانت أوصافها ومسمياتها وجهاتها. لأن العدو اذا لم يفهم لغة الحوار ويلملم قواته وعصاه ويرحل، فأن طريق الشعوب هي القوة لأجباره على الرحيل.
ويمكننا القول أن المقاومة العراقية أستطاعت حتى هذا اليوم من تحقيق انجازات كبيرة كما ذكرنا ولكن أنجازها الاكبر هي انها أستطاعت بأقتدار ان تفشل المشروع الامريكي في المنطقة، فلولا هذه المقاومة الباسلة لكان أكثر من عشرون بريمر يحكمون في العواصم العربية والاسلامية هذا اليوم.
يقف العالم اليوم على مفترق طرق. فأن نجاح المقاومة الوطنية العراقية سيدشن مرحلة جديدة في تاريخ العالم. ويؤذن بأنبثاق نظام دولي جديد يقوم على الشرعية والتعددية الدولية واحترام القانون، ليسود قوة القانون بدلا من قانون القوة الذي يسعى لها المحافظون الجدد.فكما علم العراق البشرية القراءة والكتابة وتدوين القوانين في فجر التاريخ، وساهم في بناء الحضارة الانسانية سيعلم البشرية في القرن الواحد والعشرين كيف تعيش حرة وكريمة بعيدا عن هيمنة القوة الغاشمة. فان الواجب الانساني والاخلاقي والقانوني يحتم على العالم اليوم دعم هذه المقاومة الباسلة والاعتراف بها كممثلة شرعية للشعب العراقي العظيم، لأن في انتصارها أنتصار لقيم الانسانية النبيلة.