كثيرة هي المنظمات التي تتسمى بـ (بلا حدود)، منها مثلا، أطباء بلا حدود وصيادلة بلا حدود والصحفيون بلا حدود وكناسون بلا حدود. . . الخ. تقدم هذه المنظمات الخدمات الانسانية، جدا، لضحايا الحروب الحمقاء والكوارث الطبيعية التي تنزل على رؤوس العباد بلا حدود، بالاضافة الى مهمات أخرى لايعلمها الا الراسخون في العلم!!.
بعد غزو العراق وأحتلاله وتدميره، ظهرت منظمات و جماعات كثيرة من هذا القبيل، منها على سبيل المثال لا الحصر، كذابون بلا حدود وحمقى بلا حدود وعاهرات بلا حدود ولصوص بلا حدود سرقوا ونهبوا ثروات العراق وحولوا شعبه الى فقراء بلا حدود ودولته الى دولة بلا حدود أما أبرز هذه الجماعات هم جماعة عملاء بلا حدود.
ان الحديث عن هذه الجماعات هو حديث بلا حدود، ولكننا سنشفق على القراء الكرام الذين تمطر على رؤوسهم مقالات المتأمركين من كل حدب وصوب بلا حدود.
سيقتصر حديثنا عن جماعة او منظمة عملاء بلاحدود، ونسال الله ان يغفر لنا ولكم مغفرة بلا حدود.
فبعد أن كانت صفة العمالة لدولة اجنبية، من أقبح الصفات التي يمكن أن يوصف بها السياسي أو أي انسان عادي، منذ فجر التاريخ الى القرن الحالي، وتعتبرها القوانين الداخلية جميعا خيانة عظمى، حتى ولو كان العميل او الجاسوس أسرائيليا يتجسس على أمريكا!! ألا أنه بعد غزو العراق واحتلاله أصبحت هذه الصفة في العراق والوطن العربي، مبعث فخر ووطنية، يتسابق الارذلون والساقطون الى نيل هذا الشرف غير الرفيع. ألسنا نعيش في عصر الرويبضات؟!! أليس الهدف من أقامة الشرق الاوسط الكبير هو لنشر العملاء في ارجائها بلا حدود؟!!
أليكم هذه القصة المؤلمة التي تبين الى أي درك وصل اليه حال بعض أبناء الامة.
كان لي صديق عزيز، انقطعت عني اخباره بعد غزو العراق وذبحة واحتلاله. فقبل أيام تسلمت منه، على حين غرة، رسالة على البريد الالكتروني يخبرني فيها عن أخباره وكيف تقطعت به السبل. يقيم الان مع عائلته في احدى الدول الاوروبية. سألته كيف حالك وحال اهلك؟ فحكى لي هذه القصة:
قال بعد ان قطع المجرم بريمر عنه سبل رزقه بحل الوزارة التي كان موظفا فيها، لجأ الى احدى الدول الاوروبية هو وعائلته المكونة من زوجته وابنته الوحيدة خريجة جامعة بغداد، بكلورويوس أداب. أخبره أحد اصدقائه أن هناك وظيفة شاغرة في مدرسة عربية تابعة لأحدى السفارات العربية في مكان اقامته ونصحوه بان تقدم ابنته طلبا للتدريس فيها. أقتنع الرجل وقدمت أبنته طلبا ورجت ان تقابل مسؤول المدرسة. قابلها المسؤول في اليوم التالي، رحب بها وبعد الاستفسار عن شهادتها وبلدها والوظيفة السابقة لوالدها، فأجابت الفتاة على جميع الاسئلة.
قال لها مسؤول المدرسة العربية: نأسف عن تعينيك في مدرستنا!! أستفسرت الفتاة عن السبب، فأجابها أن والدك ينتقد السياسة الامريكية والحكومة العراقية الجديدة فأننا نخشى ان تعرف السفارة الامريكية بأمر تعينيك فتخلق لنا المشاكل!!!
فقالت له الماجدة العراقية الاصيلة، اذا كانت مدرستكم لاتقبل أن يدرس فيها الا العملاء فأنني لن أرضى على نفسي تدريس أولاد أمثالك حتى لو مت جوعا، ولكن أسفي عليكم أنتم الذين ملئتم العالم ضجيجا وصراخا، طيلة أربعين عاما، وتشدقتم بالعروبة والنضال ضد الامبريالية الامريكية والان تخشون من تعيين فتاة عربية في مدرستكم خوفا من الامريكان!! ألا بئس الخلق أنتم.
خرجت من المدرسة والدموع تترقرق في عينيها، ليس من أجل الوظيفة التي فقدتها وانما على حال أبناء هذه الامة والى أين وصل بهم الذل والهوان.
هناك قاعدة في العمل الدبوماسي، وهي أن الدبلوماسي لايتحرك ولايتكلم ألا وفق توجيه أو الخط العام لسياسة بلده. فهذا الدبلوماسي مسؤول المدرسة العربية لم يتكلم أجتهادا منه وأنما وفق توجيهات صادرة من سلطات بلده.
هناك مثل شائع في العراق، يقول أن (خبز العراق مابي ملح ما يغزر (كناية لتنكر الاخرين له ولشعبه رغم الفوائد التي جنوه منه. . هذا البلد الابي الذي قرر أن يتقاسم اللقمة مع أهلنا في فلسطين، وهو تحت حصار همجي شديد. هذا العراق الذي لم يتواني في أية لحظة من تقديم المساعدة والنجدة للعرب وحماية كراسي وعروش حكامهم. هذا العراق الذي خصص٦٠٪ من تخصيصات مبالغ برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء للاستيراد من الدول العربية، أبتدأً من المغرب وأنتهاءً باليمن. صب في خزائنهم مليارات الدولارات، شغل مصانعهم، أستورد منتجاتهم الكاسدة، فعل اقتصادهم. ثم شارك سبع منهم في ذبحه والتمهيد لغزوه واحتلاله وتدميره.
بعثت رسالة لصديقي وقلت له لاتجزع يأخي فالعراق سيد العالم والعراقيون اسياد التاريخ وأن التاريخ بدأ من العراق وسيبدأ من جديد من هذا البلد الشامخ العزيزمهما تنكر له الاقربون وأنهيت رسالتي له بالقصة الاتية:
خرج بهلول الحكيم، يوما، الى سوق السمك في بغداد الرشيد، فوقف طويلا امام محل لبيع الاسماك. نظر اليها، ثم رفع سمكة واخذ يشم ذيلها. فقال له صاحب المحل باستغراب، سيدنا بهلول ان السمك يفسد من الرأس وليس من الذيل!!
أجاب بهلول الحكيم، أعرف ان الرأس فاسد ولكن أريد التأكد، هل وصل الفساد الى الذيل!!!
وذرفت دمعة ساخنة من أجل ما وصل اليه حال بعض أبناء الامة.