شهران وبضعة أيام تفصلنا عن موعد، ما يسمى بتسليم السلطة أوالسيادة الى العراقيين، فمنذ اليوم الذي وقع السيد جلال الطالباني، بمرحه المعهود، وبحضور الحجاج بن بريمر الثقفي وبقية جوقة مجلس الحكم الانتقالي في ١٥ تشرين الثاني /نوفمبر ٢٠٠٣، فرمان نقل السلطة أو السيادة الى العراقيين بحلول ٣٠/حزيران، يونيو٢٠٠٤، ولغاية المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس جورج بوش يوم ١٣نيسان، أبريل ٢٠٠٤ ، ونحن نتابع ونسجل تصريحات ومقابلات وأحاديث المسؤولين الامريكيين لوسائل الاعلام بشأن نقل السلطة أوالسيادة الى العراقيين.، فتجمعت لدينا كما كبيرا منها . أجرينا أحصائية لتلك التصريحات فوجدنا أن الحجاج بن بريمر الثقفي أكد، في تصريحاته وأحاديثه للصحافة، على أنهم ملتزمون بهذا الموعد المقدس ٤٢٦ مرة، ودونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الامريكي أشار اليه ٢٣٧ مرة، أما كولن باول ، وزير الخارجية فقد ذكره ١٧٧ مرة والرئيس جورج بوش ١٨٩ مرة، بضمنها ما أشار اليه في مؤتمره الصحفي الاخير في ١٣ الجاري (٨ مرات تصريحا و٣ مرات تلميحا).
لقد ذكرت عبارة نقل السلطة (TRANSFER OF THE AUTHORTY ) في تصريحات المسؤولين المشار اليهم ٧٢١ مرة ، أما عبارة نقل السيادة (TRANSFER SOVEREIGNTY ) فذكرت 296 مرة. ( لاحظ نقل سيادة وليس نقل السيادة)، بمعنى أن هذه السيادة ستكون منقوصة او محدودة، وهذا ما صرح به السيد كولن باول قبل بضعة أيام كما سيأتي. هذا فيما أذا تم نقل أية سيادة أو سلطة على الاطلاق.
لم نفهم لماذا عمدت سلطات الاحتلال للترويج عن نقل السلطة ثم تحولت الى التروج لنقل السيادة، فالمعروف هناك فرق شاسع بين السلطة والسيادة، فممارسة السلطة في الدولة جزء من أعمال السيادة وليس العكس، فأزاء هذا التداخل في تحديد نقل السلطة أوالسيادة، لابد أن يسأل المرء ماذا ستنقل أمريكا الى العراقيين في ٣٠ حزيران، يونيو ، السلطة أم السيادة؟ ومن هم العراقيون الذين ستنقل اليهم هذه الهبة الامريكية السخية؟ وكيف؟
أبتدأً أن أمريكا لاتمتلك سلطة شرعية في العراق لكي تنقلها الى العراقيين ، لأن فاقد الشيء لايعطيه، فهذه قاعدة قانونية معروفة. وأنما هي سلطة أحتلال غزت بلدا وأحتلته وأستعبدت شعبه بقوة السلاح. وعلى أية حال، فأن الفاس وقع على رأس العراقيين وعلى رأس القانون الدولي المسكين. وبما أننا نعيش في عصر قانون الغاب، فأن أمريكا تستطيع أن تفعل ما تشاء، ولكن الى حين.
وربما قد يسأل البعض ، لمن ستنقل هذه السلطة وعن ماهية هذه السلطة التي ستنقل ؟؟ هل ستنقل الى مجلس أو حوزة أو نقابة أو حكومة جديدة يتم أختيارأعضائها بدقة متناهية وبالقسطاس ؟ ألا أن الاخبار التي تترى من العراق انقذتنا من الحيرة، وأفادت بأن رأي صاحب الامر والنهي قد أستقر على توسيع مجلس الحكم الحالي، بعد أن كان ضيقا جدا، لتضم لصوصا ومنتفعين وعملاء جدد برزوا على الساحة السياسية العراقية خلال فترة الاحتلال، و أثبتوا المقدرة والكفاءة العاليتين على تقبل الذل والخنوع ونالوا بجدارة ثقة الحجاج بن بريمر الثقفي وأصبحوا مؤهلين لخدمة أسيادهم . بمعنى آخر أنهم سيعيدون نفس مأساة مجلس الحكم، نفس العزلة التامة عن الشعب و الشلل في التصرف وأتخاذ القرار والتفرغ لتنفيذ الاوامر التي ستصدر من سعادة السفير المبجل، طويل العمر بول وولفووتز، الذي سيحل محل بريمر في بداية شهر تموز، يوليو القادم. ونعتقد أن المجلس الموسع الجديد سيكون على غرار المجلس الضيق الحالي، لملوم متنافر ومتناقض ثقافيا وسياسيا وعلميا وفكريا، لايجمع بينهم أي رابط، سوى رابط الخنوع التام الى حد الاذلال للمحتل والحب المفرط للسلطة والدولار. لقد وصف الحجاج بن بريمر الثقفي أعضاء المجلس الضيق وصفا بليغا حينما نعتهم بالكسل والجبن وعدم القدرة على كسب العراقيين الى جانبهم؟. فالامريكيون يعرفون جيدا وقبلهم العراقيون، أن الاعضاء عينوهم في المجلس ، ما هم الا شرذمة لاتستطيع حكم العراق لمدة أربع وعشرين ساعة من دون حماية سلطات الاحتلال ومظلتها. وأنهم حفنة من الاوراق أحترقت، فأن حال أعضاء المجلس الموسع القادم لايكون أفضل من المجلس السابق، طالما انهم لم ينتخبوا من قبل الشعب العراقي. فموقف أعضاء المجلس الخائب من مجزرة الفلوجة وأنتفاضة الشاب مقتدى الصدر كشفت عن معدنهم غير الاصيل، فبدلا من أن يحتجوا ويستقيلوا أحتجاجا على جرائم أسيادهم المحتلين، هدد قسم ضئيل منهم بتجميد عضويته في المجلس والاخرون التزموا صمت القبور حتى لايغضب عليهم من بيده الامور. في سابقة لم نسمع بها من قبل، فالمعروف أن السياسي الذي يتحلى بالمبادىء والوطنية يستقيل أحتجاجا على موقف يتناقض مع مبادئه ووطنيته، فأما أعضاء المجلس أخترعوا نغمة تعليق العضوية خوفا من أن ( يطير الكرسي) لأنهم يعلمون أن الزحام شديد جدا على المناصب في قادم الايام، ستصل بعدة شهر أوشهرين الى حد الملازمة والضرب بالعكل.....!!!!. ألم يقولوا أن الغيرة قطرة وليست سطلا؟!!. أتتهم فرصة تأريخية لتحسين صورهم المشوهة أمام العراقيين ويحجزوا كراسييهم بأستحقاق، ولكنهم لم يغتنموها ، أنهم معذورون، لقد كبلوا أنفسهم بالعمالة فلايستطيعون الفكاك منها.
أما بالنسبة لماهية السلطة التي ستنقل الى المجلس الموسع،لفأننا نتفهم أنه في ظل الاحتلال أي بلد، تتعمد سلطات الاحتلال بفقل بعض السلطات الى الجهة التي تعمل لمصلحتها، فأزاء التهويل الاعلامي الجاري الان حول نقل السلطة فأننا لاندري هل ستنقل للمجلس سلطة تنظيف المجاري وجمعية الهلال الاحمر العراقية و اللجنة الاولمبية العراقية وتنظيم علاوي الفواكه والخضر؟؟ والمستشفيات؟ أم ستنقل اليه سلطة وزارة الداخلية والمالية والخارجية والنفط والدفاع؟؟ وهل سيكون هذا المجلس حرا في أتخاذ قراراته حتى بالنسبة للمؤسسات والوزرات الخدمية التي ذكرنا بعضا منها، دون تدخل الحاكم الامريكي الفعلي، و المستشارين اليهود الذين عينوهم في الوزارات العراقية بعقود أمدها خمس سنوات؟؟!، وهل سيكون هذا المجلس الموقر مسؤلا عن الامن والاستقرار وأعادة التدمير؟، أم أن المجلس الموسع سيكون مجرد (فزاعة خضرة)، لابالعلم ولا بالنفير. كما يقول العراقيون!!!. يتفرغ أعضائه للسياحة السياسية وتلقي فتاة عقود أعادة تدمير العراق وتوزيعها على أولادهم وأخوانهم وأقربائهم، ويشفطون بضعة ملايين من الدولارات ثم يستقيلون ويهاجرون الى لندن للتنعم بما أسبغها عليهم بريمر أو وولفوتز من السحت الحرام؟.
أما أذا كان الامر يخص نقل السيادة، فأنها ليست شحنة طماطة أو فجل لكي ينقلوها الى العراقيين؟!! أو انها سيارة أو أثاث منزلية ينقلون ملكيته الى العراقيين؟!! السيادة، كما يعرفها بائع السمك في حي الشواكة في بغداد ، هي الارادة الحرة المستقلة في أدارة شؤون البلاد والعباد، هي الكرامة، هي كبرياء الامة ، هي أن تكون سيد نفسك وقرارك وتصرفاتك لمصلحة شعبك ووطنك وليس لمصلحة شركة هالبيترون أو بكتل أو..أو..، السيادة والاستقلال يضحي الشعوب، من أجل نيلها، أزكى دماء شبابها وتدفع قوافل أثر قواقل من الشهداء لأنتزاعها ، السيادة لاتمنح ولا تنقل ولا تعطى وأنما تنتزع من عيون المحتلين الغاصبين الغزاة، هكذا فعلت الشعوب الحية حينما قررت ان تكون سيد نفسها. والعراقيون الابطال لايقلون عن باقي شعوب الارض أصرارا واستعدادا للتضحية من أجل نيلها وأنتزاعها من عيون الغزاة الاشرار.
أن السيادة التي تزعم أمريكا نقلها الى العراقيين ليست بسيادة ولا سلطة وانما وعود مضللة وكاذبة من أجل تسويق الحملة الانتخابية للرئيس جورج بوش، لآأكثر ولا أقل. وحتى لو عولنا على حسن نية الامريكيين، وكجزء من مسعى تضييق مأزقهم المتفاقم في العراق، فأن ما يتحدثون عنها ليست سيادة، وأنما وصاية أستعمارية مغلفة بزخرف القول ومعسول الكلام. يقول السيد كولن باول: (أن الحكومة العراقية المؤقتة الجديدة ربما يتعين عليها أن تقبل بعض القيود على سيادتها بعد أن تسلمها الولايات المتحدة السلطة في الاول من يوليو تموز القادم، وأن الولايات المتحدة تنوي أبقاء القوات العراقية تحت قيادة أمريكية. ( ربما وبعض لغرض التلطيف الدبلوماسي)، وماذا عن سحب قواتها ومرتزقتها، أن هذا القول يخالف جميع التعهدات والالتزامات التي أعلنتها الولايات المتحدة سابقا. وبالعربي الفصيح لاسلطة ولاسيادة ولا هم يحزنون والقبض الريح وشهر تموز، يوليو القادم ليس ببعيد حيث سنشهد أحتفالا خلف الابواب المؤصدة ، أذا لم يفسدها المقاومة العراقية تنقلها على الهواء شبكات التلفزين الامريكية والبريطانية!!. هناك أشاعة بحرمان قناة الجزيرة الحرة الشريفة من المشاركة في نقل وقائع الاحتفال!! لماذا؟ لاندري. أن نقل السلطة أو نقل السيادة الى العراقيين كما يريده الامريكان، هو كالأعور والاعرج كلاهما لايصل الى الهدف بخط مستقيم..
لقد أكد الرئيس بوش في مؤتمره الصحفي الاخير على انه يرغب أن يرى عراقا ديمقراطيا محبا للسلام، وأن الاحتلال لايدوم الى الابد، ولايقبل العراقيون أن يكون بلدهم محتلا كما لايقبل هو أن يكون بلده محتلا.. كلام جميل ولافض فوك ياسيد الرئيس. أن الشعب العراقي يتحرق شوقا للديقراطية والعيش بسلام ويتحرق شوقا لأستعادة أستقلاله وسيادته سلميا ومن دون سفك المزيد من دماء أبنائكم ودماء أبنائهم. أن الواجب الاخلاقي يحتم عليكم أن لا تدفعوا بأبنائكم الى المحرقة وأن الواجب الاخلاقي و الانساني يحتمان عليكم أن لاتقتلوا أبناء العراق وتدمروا البقية الباقية من بناه التحتية . أنكم لاتستطيعون فرض الديمقراطية على العراقيين من خلال قصفهم بالطائرات وضربهم بالدبابات وقتل أبنائهم وتدمير مساجدهم وقراهم وبيوتهم، فهذا العمل سيلحق ضررا بالغا ليس بالقيم الديمقراطية وانما بالقيم والمبادىء الامريكية نفسها . فأذا أتخذتم قرارا شجاعا بسحب جميع قواتكم من العراق، وتركتم العراقيين يديرون شؤون بلادهم بأنفسهم ويضعون أسس الديمقراطية الصحيحة لحكم أنفسهم، وهم قادرون على ذلك، سيكونون أكثر من سعداء، وعندها تقلق على كرامة جيشك وهيبته، فأن الشعب العراقي يتعهد لك تعهدا جازما بأن يودعهم بالازهار والنعناع والريحان والجكليت الى حدود دولة الكويت الشقيقة أو الى أي منفذ حدودي تريد أخراجهم منه. وأنه مستعد كذلك أن يضمن لكم أقامة علاقات حميمة ومتكافئة مع بلدكم العظيم، ويعامله معاملة الدولة الافضل رعاية ويفتح أبوابه لشركاتكم للعمل في العراق، ويضمن لكم تدفق النفط الى آخر برميل من أحتياطيه. أما أذا قررتم غير ذلك، وقفلتم على سياستكم غير الحكيمة في العراق ، فنقول لسيادتكم بأن أستمرار بقاء قواتكم في العراق ليس من مصلحة أمريكا، لانه يعني المزيد من الخسائر وسفك الدماء، فالمقاومة العراقية تزداد قوة وشراسة وتنظيما وأصبحت مزيجا من جميع أطياف شعب العراق الغيور، ونؤكد لكم بأن العراق مقبل على انتفاضة شعبية شاملة وعارمة، أذا ما أستمرت الاوضاع عما هو عليه الان. لأن الاحتلال ضد منطق التاريخ ومساره، ويعلمنا التاريخ أنه ما من أحتلال دام، بل اندحر وانهزم في نهاية المطاف، أمام أرادة الشعوب التي قررت أن تكون سيد نفسها.
فهل ستتخذون، يا سيادة الرئيس، قراركم الشجاع ؟، أم ستتركون الامور حتى ينتزع العراقيون استقلالهم وسيادتهم من عيونكم ويحرروا بلدهم العزيز، بلد الحضارات والشعراء والابطال الصناديد.